المبسوط - السرخسي - ج ١٠ - الصفحة ١١٤
مدائنهم في أرض الحرب ومعهم نساؤهم وذراريهم ثم ظهر المسلمون عليهم فإنه تقتل رجالهم وتسبى نساؤهم وذراريهم والحاصل أن عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى إنما تصير دارهم دار الحرب بثلاث شرائط أحدها أن تكون متاخمة أرض الترك ليس بينها وبين أرض الحرب دار للمسلمين والثاني أن لا يبقى فيها مسلم آمن بايمانه ولا ذمي آمن بأمانه والثالث أن يظهروا أحكام الشرك فيها وعن أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى إذا أظهروا أحكام الشرك فيها فقد صارت دارهم دار الحرب حرب لان البقعة إنما تنسب الينا أو إليهم باعتبار القوة والغلبة فكل موضع ظهر فيه حكم الشرك فالقوة في ذلك الموضع للمشركين فكانت دار حرب وكل موضع كان الظاهر فيه حكم الاسلام فالقوة فيه للمسلمين ولكن أبو حنيفة رحمه الله تعالى يعتبر تمام القهر والقوة لأن هذه البلدة كانت من دار الاسلام محرزة للمسلمين فلا يبطل ذلك الاحراز الا بتمام القهر من المشركين وذلك باستجماع الشرائط الثلاث لأنها إذا لم تكن متصلة بالشرك فأهلها مقهورون بإحاطة المسلمين بهم من كل جانب فكذلك أن بقي فيها مسلم أو ذمي آمن فذلك دليل عدم تمام القهر منهم وهو نظير ما لو أخذوا مال المسلم في دار الاسلام لا يملكونه قبل الاحراز بدارهم لعدم تمام القهر ثم ما بقي شئ من آثار الأصل فالحكم له دون العارض كالمحلة إذا بقي فيها واحد من أصحاب الخطة فالحكم له دون السكان والمشترين وهذه الدار كانت دار اسلام في الأصل فإذا بقي فيها مسلم أو ذمي فقد بقي أثر من آثار الأصل فيبقى ذلك الحكم وهذا أصل لأبي حنيفة رحمه الله حتى قال إذا اشتد العصير ولم يقذف بالزبد لا يصير خمر البقاء صفة السكون وكذلك حكم كل موضع معتبر بما حوله فإذا كان ما حول هذه البلدة كله دار اسلام لا يعطى لها حكم دار الحرب كما لو لم يظهر حكم الشرك فيها وإنما استولى المرتدون عليها ساعة من نهار ثم في كل موضع لم تصر الدار دار حرب فإذا ظهر المسلمون عليها قتلوا الرجال وأجبروا النساء والذراري على الاسلام ولم يسب واحد منهم وفى كل موضع صار دار حرب فالنساء والذراري والأموال فئ فيه الخمس ويجبرون على الاسلام لردتهم فلا يحل لمن وقعت امرأة منهم في سهمه ان يطأها ما دامت مرتدة وان كانت متهودة أو متنصرة لان الردة تنافى الحل وإنما يحل بملك اليمين من يحل بالنكاح فإن كان عليها دين فقد بطل بالسبي لأنها صارت أمة وما كان من الدين على حرة لا يبقي بعد أن تصير أمة لان بالرق تتبدل نفسها ولان الدين لا يجب على المملوك الا شاغلا مالية رقبته
(١١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 ... » »»
الفهرست