المبسوط - السرخسي - ج ١٠ - الصفحة ١٠٧
ملك المديون وكسب الاسلام كان مملوكا له ولهذا يخلفه الوارث فيه وخلافة الوارث بعد الفراغ من حقه فأما كسب الردة لم يكن مملوكا له فلا يقضي دينه منه الا إذا تعذر قضاؤه من محل آخر فعلى هذا لا ينفذ تصرفه في الرهن وقضاء الدين من كسب الردة إذا كان في كسب الاسلام وفاء بذلك وروي زفر عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أن ديون اسلامه تقضى من كسب الاسلام وما استدان في الردة يقضي من كسب الردة لان المستحق للكسبين مختلف وحصول كل واحد من الكسبين باعتبار السبب الذي وجب به الدين فيقضى كل دين من الكسب المكتسب في تلك الحالة ليكون الغرم بمقابلة الغنم وبه أخذ زفر رحمه الله تعالى وان جنى المرتد جناية لم يعقله العاقلة لان تحمل العقل باعتبار معني النصرة وهو أن تمكنه من الجناية بقوة العاقلة وأحد لا ينصر المرتد أو ذلك للتخفيف على الجاني لعذر الخطأ والمرتد غير مستحق للتخفيف فيكون الأرش في ماله وكذلك ما غصب وأتلف من أموال الناس فذلك كله دين عليه وإن لم يكن له مال الا ما اكتسبه في ردته كان ذلك كله فيه لأنه كسبه فيكون مصروفا إلى دينه ككسب المكاتب والجناية على المرتد هدر لان اعتبار الجناية عليه لعصمة نفسه وقد انعدمت العصمة بردته فكانت الجناية عليه هدرا مسلم قطع يد مسلم عمدا أو خطأ ثم ارتد المقطوعة يده عن الاسلام فمات أو قتل أو لحق بدار الحرب فعلى القاطع دية اليد في ماله إن كان عمدا وعلى عاقلته إن كان خطأ لان قطع اليد كانت جناية موجبة للضمان وقد انقطعت السراية بزوال عصمة نفسه بالردة فصار كما لو أنقطع بالبرء فيلزمه دية اليد فقط وان أسلم قبل اللحوق بدار الحرب ثم مات من تلك الجناية فعلى قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله عليه دية النفس استحسانا وعند محمد وزفر رحمهما الله ليس عليه الا دية اليد قياسا لان السراية قد انقطعت بزوال عصمة نفسه بالردة ثم بالاسلام بعد ذلك لا يتبين أن العصمة لم تكن زائلة فحكم السراية بعدما انقطع لا يعود وكان موته من تلك الجناية وموته بسبب آخر سواء ألا ترى أنه لو لحق بدار الحرب ثم عاد ثانيا فمات من تلك الجناية لم يجب على القاطع الا دية اليد فكذلك قبل اللحوق ولان اعتبار الجناية والسرية لحقه بعد سقوط حقه بالردة فيصير هو كالمبرئ عن سراية تلك الجناية كما لو قطع يد عبد ثم أعتقه مولاه أو باعه صار مبرئا عن السراية بإزالة ملكه وبعد ما صح الابراء ليس له ولاية إعادة حقه في السراية فكان وجود اسلامه في حكم السراية كعدمه وهما يقولان حقه توقف بالردة على ما قررنا
(١٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 ... » »»
الفهرست