المبسوط - السرخسي - ج ٣ - الصفحة ١٣٠
بل باعتبار معنى القربة كما بينا وبه فارق الوصية فان صحة الوصية لم يكن باعتبار معنى القربة فلهذا اعتبرنا تعيين المصروف إليه فصار فلان موصى له بما سمى فإذا دفعه إلى غيره كان مخالفا أمر الموصى وهذا بخلاف ما إذا قال قدم فلان فلله على أن أتصدق بدرهم فتصدق به قبل قدوم فلإن لم يجزه وكذلك لو قال إذا جاء غد لان هناك علق النذر بالشرط والمعلق بالشرط معدوم قبل وجود الشرط وإنما يجوز الأداء بعد وجود السبب والسبب هو النذر فإذا علقه بالشرط كان معدوما قبله وهنا أضاف النذر إلى وقت والإضافة إلى وقت لا يخرجه من أن يكون سببا في الحال فيجوز التعجيل بمنزلة أداء الزكاة قبل كمال الحول وعلى قول الشافعي رضي الله عنه يجوز التعجيل قبل قدوم فلان بناء على مذهبه في جواز التكفير بالمال بعد اليمين قبل الحنث وقد بينا المسألة في كتاب الايمان وأما النذر بالعبادات البدنية فاما أن يضيفه إلى مكان أو زمان أما إذا أضافه إلى زمان بأن قال لله على أن أصوم رجب فصام شهرا قبله أجزأه عن المنذور في قول أبى يوسف وهو رواية الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى وفى قول محمد وزفر لا يجزئه وكذلك لو قال لله على أن أعتكف رجب فاعتكف شهرا قبله أو قال لله على أن أصلى ركعتين غدا فصلى اليوم فهو على هذا الخلاف وجه قول محمد وزفر رحمهما الله ان ما يوجبه العبد على نفسه معتبر بما أوجب الله تعالى عليه وما أوجب الله تعالى عليه من الصوم في وقت بعينه لا يجوز تعجيله على ذلك الوقت كصوم رمضان وكذلك ما أوجب الله تعالى عليه من الصلاة في وقت بعينه كصلاة الظهر لا يجوز تعجيلها قبل الزوال فكذلك ما يوجبه على نفسه وبه فارق الصدقة ولان بالنذر بالصوم جعل ما هو المشروع في الوقت نفلا واجبا بنذره ولهذا لا يصح إضافة النذر بالصوم إلى الليل لأن الصوم غير مشروع فيه نفلا والمشروع من الصوم في وقت غير المشروع في وقت آخر ونذره تعلق بالصوم المشروع في الوقت المضاف إليه حتى يتأدى فيه بمطلق النية وبالنية قبل الزوال ولو لم يتعين صوم ذلك الوقت بنذره لما تأدى الا بالنية من الليل كما لو أطلق النذر بالصوم وجه قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى ان الناذر يلتزم بنذره الصوم دون الوقت لان معنى القربة في الصوم باعتبار انه عمل بخلاف هوى النفس وإنما يلزم بالنذر ما هو قربة وتعيين الوقت غير مفيد في هذا المعنى فلا يكون معتبرا كما في الصدقة ولا يقال الصوم في بعض الأوقات قد يكون أعظم في الثواب كما ورد به الأثر في صوم الأيام البيض وفى صوم بعض الشهور
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»
الفهرست