المبسوط - السرخسي - ج ٣ - الصفحة ١٢٩
يعود فلانا لا يلزمه شئ لان عيادة المريض قربة شرعا قال صلى الله عليه وسلم عائد المريض يمشي على محارف الجنة حتى يرجع وعيادة فلان بعينه لا يكون معنى القربة فيها مقصودا للناذر بل معنى مراعاة حق فلان فلا يصح التزامه بالنذر وفى ظاهر الرواية قال عيادة المريض وتشييع الجنازة وإن كان فيه معنى حق الله تعالى فالمقصود حق المريض والميت والناذر إنما يلتزم بنذره ما يكون مشروعا حقا لله تعالى مقصودا إذا عرفنا هذا فنقول النذر اما أن يكون بالصدقة أو بالصوم أو الصلاة أو الاعتكاف فنبدأ بالنذر بالصدقة فنقول اما ان يعين الوقت بنذره فيقول لله على أن أتصدق بدرهم غدا أو يعين المكان فيقول في مكان كذا أو يعين المتصدق عليه فيقول على فلان المسكين أو يعين الدرهم فيقول لله على أن تصدق بهذا الدرهم وفى الوجوه كلها يلزمه التصدق بالمنذور عندنا ويلغو اعتبار ذلك التقييد حتى لو تصدق به قبل مجئ ذلك الوقت أو في غير ذلك المكان أو على غير ذلك المسكين أو بدرهم غير الذي عينه خرج عن موجب نذره وعلى قول زفر لا يخرج عن موجب نذره الا بالا؟؟
كما التزمه قال لان في ألفاظ العباد يعتبر اللفظ ولا يعتبر المعنى الا ترى ان من قال لغيره طلق امرأتي للسنة فطلقها لغير السنة لم يقع ولو امره ان يتصدق بدرهم على فلان الفقير فتصدق على غيره كان مخالفا وهذا لان أوامر العباد قد تكون خالية عن فائدة حميدة فلا يمكن اعتبار المعنى فيها وإنما يعتبر اللفظ فلا يحصل الوفاء الا بالتصدق على الوجه الذي التزمه وعلماؤنا رحمهم الله قالوا ما يوجبه المرء على نفسه معتبر بما أوجب الله تعالى عليه الا ترى ان مالله تعالى من جنسه واجبا على عباده صح التزامه بالنذر وما ليس لله تعالى من جنسه واجبا على عباده لا يصح التزامه بالنذر ثم ما أوجب الله تعالى من التصدق بالمال مضافا إلى وقت يجوز تعجيله قبل ذلك الوقت كالزكاة بعد كمال النصاب قبل حولان الحول وصدقة الفطر قبل مجئ يوم الفطر فكذلك ما يوجبه العبد على نفسه وهذا لان صحة النذر باعتبار معنى القربة وذلك في التزام الصدقة لا في تعيين المكان والزمان والمسكين والدرهم وإنما يعتبر من التعيين ما يكون مفيدا فيما هو المقصود لا ما ليس بمفيد ومعنى العبادة في التصدق باعتبار سد خلة المحتاج إذ أخرج المتصدق ما يجرى فيه الشح والضنة عن ملكه ابتغاء مرضاة الله تعالى وهذا المعنى حاصل بدون مراعاة تعيين المكان والزمان وبهذا يتبين الجواب عما اعتمد عليه من اعتبار اللفظ فان صحة النذر لم تكن باعتبار اللفظ
(١٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 ... » »»
الفهرست