إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٣ - الصفحة ٣٠٧
آله وأصحابه. * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) * (1). * (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة) * إلى قوله * (رقيبا) * (2) وتسمى هذه الخطبة خطبة الحاجة. وكان القفال يقول بعدها، أما بعد:
فإن الأمور كلها بيد الله يقضي فيها ما يشاء ويحكم ما يريد، لا مؤخر لما قدم ولا مقدم لما أخر، ولا يجتمع اثنان ولا يفترقان إلا بقضاء وقدر، وكتاب من الله قد سبق، وإن مما قضى الله وقدر أن خطب فلان بن فلان فلانة بنت فلان على صداق كذا. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين. وفي ق ل على الجلال.
(فائدة) في ذكر خطبة النبي (ص) حين زوج بنته فاطمة لعلي ابن عمه أبي طالب ولفظها الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرهوب من عذابه وسطوته، النافذ أمره في سمائه وأرضه، الذي خلق الخلق بقدرته، وسيرهم بأحكامه ومشيئته، وجعل المصاهرة سببا لاحقا، وأمرا مفترضا، أو شج، أو شبك، به الأنام، وأكرم به الأرحام، فقال عز من قائل: * (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا) * (3)، ولكل قدر أجل، * (ولكل أجل كتاب) * (4)، * (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) * (5). اه‍. (قوله: بضم الخاء) احتراز من الخطبة بكسر الخاء، وهي التماس النكاح من جهة المخطوبة، وستأتي (قوله: من الولي) الجار والمجرور صفة لخطبة: أي خطبة كائنة من الولي، أي أو الزوج أو الأجنبي، فالولي ليس بشرط (قوله: له) أي لأجله، فاللام تعليلية (قوله: الذي هو) أي النكاح، وقوله العقد: أي بمعنى العقد (قوله: بأن تكون) أي الخطبة المسنونة قبل إيجابه: أي التلفظ به، وما ذكر تصوير لسنها للنكاح بمعنى العقد. وأفاد به أن المراد بالعقد خصوص الايجاب، لا هو مع القبول (قوله: فلا تندب الخ) تفريع على مفهوم التقييد بقبل الايجاب (قوله: كما صححه في المنهاج) عبارته: ولو خطب الولي فقال الزوج الحمد لله والصلاة على رسول الله قبلت صح النكاح على الصحيح، بل يستحب ذلك. قلت الصحيح لا يستحب والله أعلم. اه‍.
(وقوله: صح النكاح) أي لأنها مقدمة القبول، فلا تقطع الولاء كالإقامة وطلب الماء والتيمم بين صلاتي الجمع، لكن محل ذلك إذا كانت قصيرة عرفا، أما إذا طالت لم يصح لاشعاره بالاعراض. وضبط القفال الطول بأن يكون زمنه لو سكتا فيه لخرج الجواب عن كونه جوابا، والأولى ضبطه (قوله: بل يستحب تركها) أي الخطبة قبل القبول، والاضراب انتقالي. وقوله من أبطل: أي النكاح، وعلله بأنها غير مشروعة فأشبهت الكلام الأجنبي (قوله: كما صرح به) أي باستحباب تركها (قوله: لكن الذي في الروضة وأصلها ندبها) وعليه فيسن في النكاح أربع خطب: خطبتان للخطبة، بكسر الخاء، واحدة من الخاطب، وواحدة من المجيب له، وخطبتان للعقد، وواحدة قبل الايجاب، وأخرى قبل القبول (قوله: وتسن خطبة أيضا الخ) واعلم أني وجدت لبعض الأفاضل صورة الخطبة الكائنة قبل الخطبة، بكسر الخاء، وصورة الخطبة الكائنة قبل الإجابة لها، وصورة أيضا للخطبة الكائنة قبل العقد غير ما تقدم، والثلاث في غاية من البلاغة. ولا بأس بإيرادها هنا لتحفظ. فصورة الأولى: (بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي هدانا لاتباع الملة الحنيفية السمحة الزهراء، وأرشدنا لاقتفاء أوامرها المنيفة الغراء. أحمده سبحانه وتعالى حمدا أورد به موارد الفضل والاحسان. وأرقى به إلى الحور المقصورات في بحبوحة الجنان. وأشكره شكرا أستمطر به سحائب الكرم والامتنان.
وأستفيد به ترادف المنن من فيض كرم المنعم الديان. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المحسن لقاصد فضله

(1) سورة آل عمران، الآية: 102.
(2) سورة النساء، الآية: 1.
(3) سورة الفرقان، الآية: 54.
(4) سورة الرعد، الآية: 38.
(5) سورة الرعد، الآية: 39.
(٣٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 312 ... » »»
الفهرست