باب في الإجارة أي في بيان أحكامها، وشروطها، وهي بكسر الهمزة أشهر من ضمها وفتحها، من آجره، بالمد، يؤجره، إيجارا، ويقال أجره، بالقصر، يأجره، بضم الجيم، وكسرها أجرا، والأصل فيها قبل الاجماع آيات: كقوله تعالى: * (فإن أرضعن لكم، فآتوهن أجورهن) * ووجه الدلالة منه أن آتوهن أجورهن: أمر، والامر للوجوب، والارضاع بلا عقد، تبرع لا يوجب أجرة، وإنما يوجبها، العقد، فتعين الحمل عليه، أي آتوهن أجورهن إذا أرضعن لكم بعقد، وكقوله تعالى: * (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) * وأخبار: كخبر مسلم أنه (ص): نهى عن المزارعة، وأمر بالمؤاجرة وكخبر البخاري أنه (ص) والصديق استأجرا رجلا من بني الديل يقال له عبد الله بن الأريقط، أي ليدلهما على طريق المدينة لما هاجرا من مكة، لكونهما سلكا طريقا غير الجادة، اختفاء من المشركين، وإسناد الاستئجار للنبي (ص) مجاز عقلي، لان المستأجر، أبو بكر، وأقره عليه النبي (ص)، والمعنى فيها، أن الحاجة داعية إليها، إذ ليس لكل أحد، مركوب، ومسكن، وخادم، وغير ذلك. فجوزت لذلك، كما جوز بيع الأعيان وأركانها ثلاثة إجمالا، ستة تفصيلا عاقد مكر ومكتر، ومعقود عليه أجرة ومنفعة وصيغة إيجاب وقبول، ويشترط في العاقدين ما مر في البائع والمشتري، من الرشد، وعدم الاكراه بغير حق، نعم، يصح استئجار كافر لمسلم، ولو إجارة عين، مع الكراهة، لكن لا يمكن من استخدامه مطلقا، لأنه لا يجوز خدمه المسلم للكافر أبدا ويصح إيجار سفيه لما لا يقصد من عمله كالحج لجواز تبرعه، ويشترط في الأجرة والمنفعة ما سيذكره، من كون الأجرة معلومة، ومن كون المنفعة متقومة معلومة، ويشترط في الصيغة جميع ما مر في صيغة البيع، إلا عدم التأقيت، وقد استوفاها الشارح في التعريف، فقوله تمليك منفعة، أي بعقد يستفاد منه الصيغة، ومعلوم أنها تستلزم العاقد، وقوله منفعة مع قوله بعوض، هو المعقود عليه (قوله: هي لغة اسم للأجرة) أي سواء أخذت بعقد أم لا، وقيل لغة، اسم للإثابة، يقال آجرته، بالمد، والقصر، إذا أثبته. ولا مانع من أن يكون لها معنيان في اللغة. اه. ش ق (قوله: وشرعا: تمليك منفعة) أي بعقد، وخرج به، عقد النكاح، لأنه لا تملك به المنفعة، وإنما يملك به الانتفاع، فيستحق الزوج أن ينتفع بالبضع، ولا يستحق منفعة البضع، بدليل أنها لو وطئت بشبهة، كان المهر لها، لا له، فالعقد على منفعة البضع لا يسمى إجارة، بل يسمى نكاحا. وقوله بعوض: متعلق بتمليك، وخرج به، هبة المنافع والوصية بها وإعارتها، فلا تسمى إجارة، لأنها عقد على منفعة بلا عوض، وقوله بشروط آتية، خرج به المساقاة والجعالة، لان من الشروط الآتية، كون العوض معلوما، وهما لا يشترط فيهما علم العوض، وإن كان قد يكون معلوما، كمساقاة على ثمرة موجودة، وجعالة على معلوم، فاندفع ما ورد على التعريف المذكور بأنه غير مانع، لصدقه على الجعالة وعلى المساقاة، نعم، يرد عليه بيع حق الممر، فإنه تمليك منفعة بعوض معلوم، وهو بيع، لا إجارة، وأجيب عنه بأنه ليس بيعا محضا، بل فيه شوب إجارة، وإنما سمي بيعا، نظرا لصيغته فقط، فهو إجارة معنى، وعلم من قوله تمليك منفعة، أن مورد الإجارة، المنفعة، سواء وردت على العين، كآجرتك هذه الدابة بدينار، أو على الذمة، كألزمت ذمتك
(١٢٩)