مخالد هذه الأبيات فقال له أبو مخالد: يا هذا إن الشاعر لم يمدح صاحبك وإنما هجاه في موضعين:
أحدهما: أن عليا مجبول على البر والتقى، ومن جبل على أمر لم يمدح عليه لأنه لم يكسبه بسعيه.
وثانيهما: أنه ادعى أنه أيد في حروبه بالملائكة ولا فضيلة له حينئذ في الظفر لأن حية النميري لو أيد بهؤلاء لقهر الأعداء. (١) ولا يخفى على كل كبير وصغير أن ما ذكره من الإيرادين من السخافة بمكان، وأنهما مما تستهجنه الأذهان وتمجه الآذان.
أما الأول فمن وجوه:
الأول: إن من المعلوم عند أولي الفهوم أن أمثال هذه العبارات شائعة في المبالغة على المواظبة على الأمر حتى كأنه مجبول عليه، كما قال تعالى: ﴿خلق الإنسان من عجل﴾ (2) وقد اشتهر أن العادة كالطبيعة الثابتة (3)، فالمجبولية هنا ليست على حقيقتها كما فهمه هذا المورد الأحمق، بل إنما هي نهاية في المبالغة في الوصف بالمواظبة والاعتياد.
والثاني: إن من المشهور المسطور أن المدح لا يجب أن يكون على ما يكون بالسعي والاختيار، إنما ذلك الحمد على ما هو المشهور، فأي وجه لما قاله من أنه عليه السلام إذا كان مجبولا عليهما لم يستحق المدح عليهما؟!
والثالث: إن غاية ما ألزمه هذا الأحمق أن لا يكون الوصف بذلك مما يسمى مدحا، وهو إنما نصر السيد لو صرح بكونه مدحا أو أشار إليه وليس وإن قال إنه