أنه كان ذلك عن هوى منه واجتهاد من قبله، وأنه لولا العزمة لم يقدم على ذلك، لما فيه من الصعوبة وعدم ارتضاء أكثر الأمة له.
وثانيهما: عدم المهلة بين إتيان العزمة وامتثاله صلى الله عليه وآله وسلم إما مرتين إن كانت الفاء عاطفة والظرف مؤكدا لها، أو مرة ليدل على مبادرته - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى الامتثال من غير إهمال ولا تكاسل، ولما كان هذا المعنى من الاعراض المهمة ساغ لنا حمل الكلام على التأكيد مع رجحان التأسيس. وللاهتمام بذلك قدم الظرف على الفعل.
الثانية والعشرون: في الإتيان ب «قام» إن كان بمعنى «وقف» دلالة على ما تحقق منه - صلى الله عليه وآله وسلم - من الوقوف في أثناء الطريق، وهو يدل على شدة الاهتمام بالأمر وعدم الإغفال يسيرا من الزمان، وإن كان بمعنى «شرع» دلالة على طول الخطبة، فإنما وقع عندها الشروع فيها، وأما تمامها، فلطولها لا يصح أن يقال أنه وقع عندها، وإن كان بمعنى انتصب، دلالة على انتفاء التكاسل رأسا وعلى الإشادة به وإظهاره عند الناس.
الثالثة والعشرون: عدم التصريح بالاسم الشريف، للتعظيم والتحرز عن التكرار، والاختصار مع المدح، فإن الذي أقامه مقامه، صفة مدح له، فلو ذكره بدونه انتفى المدح، ولو ذكره معه انتفى الاختصار والدلالة على أنه ممن لا يسبق الذهن مما ذكره من الصفات إلا إليه.
الرابعة والعشرون: التعبير عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - بالنبي دون الرسول، لكونه باعتبار معناه اللغوي أدل على المدح والتعظيم، وللإيماء إلى أنه لعظم شأنه بحيث لا يتبادر الذهن من النبي إلا إليه فضلا عن الرسول، كأنه لا نبي في جنسه ولا نبوة في جنب نبوته، أو إلى أنه لا معهود عنده من الأنبياء سواه فضلا عن الرسل.