خزانة الأدب - البغدادي - ج ٢ - الصفحة ٢٩٨
وكذلك أورده الفراء عند تفسير قوله تعالى: إنها إن تك مثقال حبة من خردل قال: فإن قلت: إن المثقال ذكر فكيف قال: تك قلت: لأن المثقال أضيف إلى الحبة وفيها المعنى كأنه قال: وقوله: لا تبعد أي: لا تهلك وهو دعاء خرج بلفظ النهي كما يخرج الدعاء بلفظ الأمر وإن كان ليس بأمر نحو: اللهم اغفر لنا. يقال: بعد الرجل يبعد بعدا من باب فرح إذا هلك وإذا أردت ضد القرب قلت: بعد يبعد بضم العين فيهما والمصدر على وزن ضده وهو القرب وربما استعملوا هذا في معنى الهلاك لتداخل معنييهما. فإن قيل: كيف قال: لا تبعد وهو قد هلك أجيب بأن العرب قد جرت عادتهم باستعمال هذه اللفظة في الدعاء للميت ولهم في ذلك غرضان: أحدهما أنهم يريدون بذلك استعظام موت الرجل الجليل وكأنهم لا يصدقون بموته. وقد بين هذا المعنى النابغة الذبياني بقوله:) * يقولون: حصن ثم تأبى نفوسهم * وكيف بحصن والجبال جنوح * * ولم تلفظ الموتى القبور ولم تزل * نجوم السماء والأديم صحيح * أراد أنهم يقولون: مات حصن ثم يستعظمون أن ينطقوا بذلك ويقولون: كيف يجوز أن يموت والجبال لم تنسف والنجوم لم تنكدر والقبور لم تخرج موتاها وجرم العالم صحيح لم يحدث فيه حادث.
وهكذا تستعمله العرب فيمن هلك فساء هلاكه وشق على من يفقده. قال الفرار السلمي:
* ما كان ينفعني مقال نسائهم * وقتلت دون رجالهم: لا تبعد *
(٢٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 ... » »»