وعندما بعث النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم، تحدث أهل الكتاب بعقيدتهم الخاصة بالميراث، وعملوا على نشر الثقافة التي تصب في وعاء هذه العقيدة، واليهود في مصادر الإسلام أعلنوا أنهم في انتظار المسيح الذي يملكون به الأرض، والنصارى تحدثوا بما وضعه بولس في عقولهم، وهو أن الأمم شركاء لليهود في الميراث، ووفقا لهذا الاعتقاد بدأوا بالتحرك لوقف تحرك الدعوة الخاتمة في اتجاه الأمم، وشيد اليهود والنصارى صروحهم على إبراهيم عليه السلام، فبينما زعم الحي اليهودي أن إبراهيم كان يهوديا، زعم الحي النصراني أن إبراهيم كان نصرانيا، وفي زحمة هذه الثقافات، قالت اليهود:
ليست النصارى على شئ، وقالت النصارى: ليست اليهود على شئ، هذه الأقوال والاعتقادات شهد بها القرآن الكريم، ورد عليها، وأقام على هؤلاء وهؤلاء الحجة الدامغة، ومن هذه الآيات قوله تعالى: (وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) [المائدة: 18]، والمعنى: لو كنتم - كما تدعون - أبناء ه وأحباءه، فلم أعدت لكم نار جهنم على كفركم وكذبكم وافترائكم (بل أنتم بشر ممن خلق)، أي لكم أسوة بأمثالكم من بني آدم، وهو - سبحانه - الحاكم في جميع عباده، فعال لما يريد، لا معقب لحكمه، وهو سريع الحساب.
وقال تعالى: (وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين، قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون، فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق) [البقرة:
135 - 137]، وقبل هذه الآيات بين - تعالى - أن الدين الحق الذي كان عليه أولاد إبراهيم من إسماعيل وإسحاق ويعقوب وأولاده، كان هو الإسلام الذي كان عليه إبراهيم حنيفا، ويستنتج من ذلك أن أهل الكتاب على عهد البعثة