والشذوذ، ومعنى تتبع الإخبار بالغيب للوصول إلى الحقيقة، هو إيماني بأن النبوءة هي التي تفسر التاريخ وليس العكس، فالأنبياء يخبرون بالغيب عن ربهم فيما يستقبل الناس، وهذا الإخبار إما في دائرة التحذير وإما في دائرة التبشير، وكل دائرة لا بد أن يكون لها أصحاب وأتباع، والله تعالى له في كل موضع في هذا الكون شاهد وهذا الشاهد حجة، وبالنظر إلى هذه الدوائر بضوء الإخبار بالغيب يمكن أن نرى حقيقة الحركة الإنسانية. حركة التاريخ تحت سقف الامتحان والابتلاء. ومن هذه الحركة يمكن أن نخرج بمضمون وبقضية وبهدف. ويمكن أن نضع أيدينا بكل يسر على العروة الوثقى التي نحكم بها على المسيرة التاريخية. تلك المسيرة التي ظهر على ساحتها العديد من أعلام الزينة والإغواء والأهواء ودخل أصحابها في دائرة التحذير. وعندما أصبحوا أعمدة في هذه الدائرة، حذرت النبوءة منهم ومن دوائرهم. ثم سلطت أضواءها على دائرة التبشير ليتحرك الناس الحركة التي يحبون أن ينظر الله إليهم وهم يتحركونها. لأن سنة استخلاف الإنسان في الأرض تقوم على حكمة " لينظر الله كيف تعملون ".
وبالجملة: لقد حذر الوحي من الشيطان. وحذرت النبوءة من المنافقين والمترفين الذين اتخذوا من الصد عن سبيل الله هدفا لهم، وفي دائرة التحذير وقف الشيطان وبرنامجه وأتباعه من أهل الأهواء تحت ضوء الإخبار بالغيب، ليتبين الناس الوقود الذي أمد المسيرة.
ويعلموا أن التاريخ وإن ظهر كوحدة واحدة، إلا أنه في الحقيقة وحدة إنسانية واحدة ذات حركتين، حركة حق وحركة باطل، ولأن الحاضر ابنا للماضي فإنه يرث هذه التركة وينطلق بها إلى المستقبل. وعلى الإنسان في هذه الحالة أن ينقب ويبحث وينظر فيما حوله من حجج عليه. لأنه مستخلف في الأرض. والاستخلاف يقتضي حركة. والحركة منظورة من الله.