قتلهم الصقيع وبرد الشتاء! ما أكثر الذين قتلتهم الصواعق والبرد! وما أكثر الذي غرقوا البحر بعصف الرياح! ما أكثر الذين ماتوا من الوباء والجوع!
أو لأن الوحوش الضارية قد افترستهم أو نهشتهم الأفاعي أو خنقهم الطعام!
ما أتعس الإنسان المتغطرس، إذ أنه يرزح تحت أعمال ثقيلة، وتقف له في كل موضع جميع الخلائق بالمرصاد، ولكن ماذا أقول عن الجسد والحس اللذين لا يطلبان إلا الإثم، وعن العالم الذي لا يقدم إلا الخطيئة، وعن الشرير الذي لما كان يخدم الشيطان، يضطهد كل من يعيش بحسب شريعة الله، ومن المؤكد أيها الإخوة أن الإنسان كما يقول داود " لو تأمل الأبدية بعينه لما أخطأ "، ليس تغطرس الإنسان بقلبه إقفال رأفة الله ورحمته حتى لا يعود يصفح، لأن أبانا داود يقول " إن إلهنا يذكر أننا لسنا سوى تراب، وأن روحنا تمضي، ولا تعود أيضا " أفمن تغطرس إذا أنكر أنه تراب، وعليه فلما كان لا يعرف حاجته، فهو لا يطلب عونا، فيغضب الله معينه!
لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته، إن الله يعفو عن الشيطان، لو عرف الشيطان شقاءه، وطلب رحمة من خالقه المبارك إلى الأبد. لذلك أقول لكم أيها الإخوة، إنني أنا الذي هو إنسان، تراب وطين يسير على الأرض، أقول لكم جاهدوا أنفسكم واعرفوا خطاياكم، أقول أيها الإخوة إن الشيطان ضللكم بواسطة الجنود الرومانية، عندما قلتم إنني أنا الله (1)، فاحذروا من أن تصدقوهم، لأنهم واقعون تحت لعنة الله، وعابدون الآلهة الباطلة الكاذبة، كما استنزل أبونا داود لعنة عليهم، قائلا " إن آلهة الأمم فضة وذهب، عمل أيديهم، لها أعين ولا تبصر، لها آذان ولا تسمع، ولها مناخر ولا تشم، لها فم ولا تأكل، لها لسان ولا تنطق، لها أيد ولا تلمس، لها أرجل ولا تمشي لذلك قال داود أبونا ضارعا إلى إلهنا الحي " مثلها يكون صانعوها، بل كل من يتكل عليها "، يا لكبرياء لم يسمع بمثلها، كبرياء الإنسان الذي ينسى حاله ويود أن يصنع إلها بحسب هواه، مع أن الله خلقه من تراب، وهو بذلك