المنتخب من كتب ابن تيمية - الشيخ علوي بن عبد القادر السقاف - الصفحة ٣٧
منه بالشيء الواحد الذي يحب من وجه ويكره من وجه، كما قيل:
الشيب كره وكره أن أفارقه فاعجب لشيء على البغضاء محبوب وهذا مثل إرادة المريض لدوائه الكريه، بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصالحة التي تكرهها النفس هو من هذا الباب، وفي «الصحيح»: «حفت النار بالشهوات، وحفت الجنة بالمكاره» (1)، وقال تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم...} (2) الآية.
ومن هذا الباب يظهر معنى التردد المذكور في هذا الحديث؛ فإنه قال: «لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه»؛ فإن العبد الذي هذا حاله صار محبوبا للحق محبا له، يتقرب إليه أولا بالفرائض وهو يحبها، ثم اجتهد في النوافل التي يحبها ويحب فاعلها، فأتى بكل ما يقدر عليه من محبوب الحق؛ فأحبه الحق لفعل محبوبه من الجانبين بقصد اتفاق الإرادة بحيث يحب ما يحبه محبوبه ويكره ما يكرهه محبوبه، والرب يكره أن يسوء عبده ومحبوبه؛ فلزم من هذا أن يكره الموت ليزداد من محاب محبوبه.
والله سبحانه وتعالى قد قضى بالموت؛ فكل ما قضى به فهو يريده ولا بد منه، فالرب مريد لموته لما سبق به قضاؤه، وهو مع ذلك كاره لمساءة عبده وهي المساءة التي تحصل له بالموت؛ فصار الموت مرادا للحق من وجه مكروها له من وجه، وهذا حقيقة التردد، وهو أن يكون الشيء الواحد مرادا من وجه مكروها من وجه، وإن كان لا بد من ترجح أحد الجانبين كما ترجح إرادة

(١) رواه البخاري في (الرقاق، باب حجبت النار بالشهوات، رقم ٦٤٨٧) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: «حجبت النار...»، ومسلم في (الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم ٢٨٢٣) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه بلفظ: «حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات».
(٢) البقرة: ٢١٦.
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»