المنتخب من كتب ابن تيمية - الشيخ علوي بن عبد القادر السقاف - الصفحة ١٥٧
وأما «أهل الجمل وصفين»؛ فكانت منهم طائفة قاتلت من هذا الجانب، وأكثر أكابر الصحابة لم يقاتلوا لا من هذا الجانب ولا من هذا الجانب، واستدل التاركون للقتال بالنصوص الكثيرة عن النبي (ص) في ترك القتال في الفتنة، وبينوا أن هذا قتال فتنة.
وكان علي رضي الله عنه مسرورا لقتال الخوارج، ويروي الحديث عن النبي (ص) في الأمر بقتالهم، وأما قتال «صفين»؛ فذكر أنه ليس معه فيه نص، وإنما هو رأي رآه، وكان أحيانا يحمد من لم ير القتال.
وقد ثبت في «الصحيح» عن النبي (ص) أنه قال في الحسن: «إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» (1)؛ فقد مدح الحسن وأثنى عليه بإصلاح الله به بين الطائفتين: أصحاب علي، وأصحاب معاوية، وهذا يبين أن ترك القتال كان أحسن، وانه لم يكن القتال واجبا ولا مستحبا.
و «قتال الخوارج» قد ثبت عنه أنه أمر به وحض عليه؛ فكيف يسوى بين ما أمر به وحض عليه، وبين ما مدح تاركه وأثني عليه؟!
فمن سوى بين قتال الصحابة الذين اقتتلوا بالجمل وصفين وبين قتال ذي الخويصرة التميمي وأمثاله من الخوارج المارقين والحرورية المعتدين؛ كان قولهم من جنس أقوال أهل الجهل والظلم المبين، ولزم صاحب هذا القول أن يصير من جنس الرافضة والمعتزلة الذين يكفرون أو يفسقون المتقاتلين بالجمل وصفين، كما يقال مثل ذلك في الخوارج المارقين؛ فقد اختلف السلف والأئمة في كفرهم على قولين مشهورين، مع اتفاقهم على

(١) رواه البخاري في (الصلح، باب قول النبي للحسن بن علي ابني هذا سيد، ٢٧٠٤، وفي المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، رقم 3629)؛ من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»