يكون لأحد سواه والحاصل كما تقدم إن هنا أمرين أحدهما وجوب تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم ورفع رتبته عن سائر المخلوقات والثاني افراد الربوبية واعتقاد أن الرب تبارك وتعالى منفرد بذاته وصفاته وأفعاله عن جميع خلقه فمن اعتقد في مخلوق مشاركة الباري سبحانه وتعالى في شئ من ذلك فقد أشرك كالمشركين الذين كانوا يعتقدون الألوهية للأصنام واستحقاقاتها للعبادة ومن قصر بالرسول صلى الله عليه وسلم في شئ عن مرتبته فقد عصى أو كفر أما من بالغ في تعظيمه بأنواع التعظيم ولم يصفه بشئ من صفات الربوبية فقد أصاب الحق وحافظ على جانب الربوبية والرسالة جميعا وذلك هو القول الذي لا إفراط فيه ولا تفريط وإذا وجد في كلام المؤمنين إسناد شئ لغير الله تعالى يجب حمله على المجاز العقلي ولا سبيل إلى تكفير أحد من المؤمنين إذ المجاز العقلي مستعمل في الكتاب والسنة فمن ذلك قوله تعالى وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا فإسناد الزيادة إلى الآيات مجاز عقلي وهي سبب عادي للزيادة والذي يزيد في الإيمان حقيقة هو الله تعالى وحده لا شريك له وقوله تعالى يوما يجعل الولدان شيبا فإسناد الجعل إلى اليوم مجاز عقلي لأن اليوم محل لجعلهم شيبا فالجعل المذكور واقع في اليوم والجاعل حقيقة هو الله تعالى وحده وقوله تعالى ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا فإسناد الاضلال إلى الأصنام مجاز عقلي لأنها سبب في حصول الاضلال والهادي والمضل حقيقة هو الله تعالى وحده لا شريك له وقوله تعالى حكاية عن فرعون يا هامان ابن لي صرحا فإسناد البناء إلى هامان مجاز عقلي لأنه سبب آمر فهو يأمر بذلك ولا يبني بنفسه والذي يبني إنما هم الفعلة وأما الأحاديث النبوية ففيها من المجاز العقلي شئ كثير يعرف ذلك من وقف عليه من ذلك الحديث المتقدم بينما هم كذلك استغاثوا بآدم فإغاثة آدم عليه السلام مجازية والمغيث حقيقة هو الله تعالى وأما كلام العرب ففيه من المجاز العقلي ما لا يحصى كقولهم نبت الربيع البقل فجعلوا الربيع وهو المطر منبتا والمنبت حقيقة هو الله تعالى فإسناد الانبات إلى الربيع مجاز عقلي فإذا قال العامي من المسلمين نفعني النبي صلى الله عليه وسلم أو أغاثني أو نحو ذلك فإنما يريد الإسناد
(١٩)