حكم ما مضى في اليقظة من الإيمان وهذه الحالة هي أدنى أحوال الأولياء وأدنى شهود من شهوداتهم. وربما سموا شيئا من ذلك في طريقهم موتا اختياريا أخذا من إشارة قوله تعالى (إنك ميت وإنهم ميتون) ومعنى إشارة الآية على عدم الفرق بين ميت بالسكون والتشديد كما ذكره الجوهري في الصحاح: إنك يا محمد وإن ظهر التأثير منك ومنهم في الباطن والظاهر بحسب الإدراك والأفعال ميت وهم ميتون لأن حياتك مخلوقة كحياتهم وهي عرض يخلق الله تعالى الإدراك باطنا والأفعال والأقوال ظاهرا عندها لا بها، فهي سبب لخلق ذلك من الله تعالى فهي موت في حقيقة الأمر فيك وفيهم جميعا. وهذا الموت الاختياري شرط في مقام الولاية حتى إذا لم يتحقق به الولي في نفسه فليس بولي وإليه الإشارة بقوله عليه السلام: " من عرف نفسه فقد عرف ربه " يعني من عرف نفسه، أنها كناية عن قوى باطنية وظاهرية منبعثة من العدم بسطوة قدرة غيره عرف ربه. والرب هو المالك يعني عرف مالك أمره الباطن والظاهر وهو الله تعالى فيعرفه من حيث إنه الخالق لتلك القوى والمصرف لها فيما يشاءه تعالى ويختاره ويعلم أن نفسه في يد الله تعالى يتصرف فيها كيف يشاء كما كان يقسم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " والذي نفسي بيده " أي وحق الذي جميع قواي الباطنية والظاهرية في تصرفه وحده لا مدخل لي في ذلك البتة. ومن هنا يفهم قول النبي عليه السلام في حديث التقرب بالنوافل: " كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به "... إلى آخره فيظهر لذلك المتقرب بالنوافل الفاعل المتصرف في قواه كلها وتبقى القوى عنده أعراضا زائلة كما هي في حقيقة الأمر فيكون الحق كناية عنها بعد زوالها من نظر ذلك المتقرب. وليس هذا كله إلا بعد حصول الموت الاختياري له.
وإذا كان كذلك فالولاية مشروطة عند العارفين بإدراك الموت والتحقق به، والكرامات للأولياء مشروطة حينئذ عندهم بوجود الموت لا بفقده فكيف يزعم عاقل أن الموت ينافي الكرامات؟ والكرامات مشروطة به. وإذا لم يتحقق من الإنسان في نفسه فليس بعارف ولا ولي. وإنما هو عامي من عوام المؤمنين غافل محجوب. وذلك لأن الولي هو الإنسان الذي يتولى الله تعالى جميع أموره الباطنية والظاهرية كما ذكرنا. وأمر غيره فنفسه هي التي تتولى أمرها بسبب