وإلا هل يعقل أن يحفظ أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) 5374 حديثا خلال سنتين ولا يحفظ أبو بكر خلال ثلاث وعشرين سنة إلا 142 حديثا؟!
لا أعتقد أن أحدا يؤيد ذلك، فإذا لم يقل: إن أبا بكر يحفظ أكثر من أبي هريرة، فيكون أبو هريرة أعلم من أبي بكر! وإذا قيل: إن أبا بكر يحفظ أكثر من أبي هريرة، سألنا: أين ذهبت أحاديث أبي بكر والتي تفوق أحاديث أبي هريرة؟ ومن يضمن أن لا يكون بها تشريعات وعقائد وآداب لا غنى عنها لكل مسلم؟. لكننا لا نجد جوابا إلا الصمت أو السباب. وهو اعتراف ضمني بضياع الآلاف من الأحاديث التي سمعها أبو بكر من النبي، على الأقل قد كان بحوزة أبي بكر خمسمائة حديث، لكنه أحرقها (1)، فمن يضمن لنا وصول هذه الخمسمائة حديث المحروقة إلينا؟ لا أحد يستطيع ذلك مع العلم أن بناء الإسلام واحد، ولا يفهم إلا إذا وجدت نصوصه كاملة!!
قال شيخ الإسلام السيوطي: " السبب في قلة ما روي عن أبي بكر الصديق (رضي الله عنه)، مع تقديمه وسبقه وملازمته للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنه تقدمت وفاته قبل انتشار الحديث واعتناء الناس بسماعه وتحصيله وحفظه " (2).
وكلام السيوطي هذا يومئ إلى أنه لو بقي أبو بكر حيا حتى انتشار الحديث واهتمام الناس بسماعه لروي عنه الكثير، ولكن لو سألنا السيوطي وأهل السنة عن مكان هذا العلم الكثير لقالوا: هو في صدر أبي بكر!! فنقول سلام على سنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)!
وقال إبراهيم العبدلي المالكي: " وإنما لم يرو عنه - أي أبي بكر - من الأحاديث المسندة إلا القليل، لقصر مدته، وسرعة وفاته بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلا لو طالت مدته لكثر ذلك عنه جدا " (3).