مفاهيم القرآن (العدل والإمامة) - الشيخ جعفر السبحاني - ج ١٠ - الصفحة ٣٠٩
الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هو المفسر الأول إن مهمة الرسول لم تكن منحصرة في تلاوة القرآن الكريم، وإقرائه للناس، بل كان عليه وراء ذلك، تبيين معالمه، وتوضيح مقاصده. يقول سبحانه:
* (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) *. (1) نرى أنه سبحانه يقول * (لتبين) * مكان لتقرأ فمهمة الرسول الخطيرة هي توضيح مفاهيم الذكر الحكيم، وسبر أغواره. ولأجل ذلك كان الرسول يفسر الآيات واحدة بعد أخرى أو مجموعة بعد مجموعة.
قال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرأون القرآن كعثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود، وغيرهما أنهما كانوا إذا تعلموا من النبي عشر آيات، لم يتجاوزوها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل. قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا. ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة. (2) فإذا كان الرسول مأمورا من جانبه سبحانه ببيان القرآن وتفسيره، فأين هذه الأحاديث التي صدع بها الرسول ووعاها السلف الصالح؟
نرى أن جميع ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من التفاسير المصرح برفعها إليه - غير ما ورد من أسباب النزول - لا يتجاوز المائتين وعشرين حديثا تقريبا. وقد أتعب جلال الدين السيوطي نفسه، فجمعها من مطاوي الكتب في آخر كتابه الإتقان، فرتبها على ترتيب السور من الفاتحة إلى سورة الناس. (3) ومن المعلوم أن هذا المقدار

(١) النحل: ٤٤.
(2) الإتقان: 4 / 175 - 176، ط مصر.
(3) المصدر نفسه: 170.
(٣٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 304 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 ... » »»