وإلا لما قاتلوهم. وكذلك الخلفاء الراشدون فقد أقاموا الحدود والتعزيرات وغير ذلك على بعض الصحابة ولم ينطق أحد ممن حوصر أو عزر أو شرد أو طرد أو أقيم عليه الحد بأني محكوم علي بالعدالة والاجتهاد لأني صحابي فعلام تقتلونني أو تقيمون علي حدا؟ ولا ذكر أحد ذلك، ولو بني على مثل هذه الآراء التي خلقتها السياسة القائمة بعد عصر الصحابة ولم تطرق ذهن أي صحابي لتهدم بناء كثير من الأسس، ولتعطلت الحدود واختلط الحابل بالنابل من قواعد الدين. وإنما الحقيقة التي ليس عليها قتر ولا غبار والتي لا محيص عنها أن في الصحابة الكرام مجتهدين وعدولا وصلحاء وأبرارا وفيهم غير ذلك... نعم للصحبة فضلها العظيم، ولها منزلتها الرفيعة، وفيها شرف باذخ، ولعمري لهي مكرمة وأي مكرمة ولكنها نظير السيادة أعني الانتساب لهاشم. ونظير التفقه في الدين وأمثال ذلك من الرتب السامية والمنازل الرفيعة ولكنها لا تستلزم في نفسها عدالة ولا اجتهادا. وإنما العدالة ملكة في الإنسان. تحصل من ورعه وتقواه في أمور دينه ودنياه. والاجتهاد ملكة تحصل من الجد والكد في استنباط أحكام الدين. وليست صحبته صلى الله عليه وآله وسلم توجب حصول الملكتين. نعم لصحبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من الفضل والمقام الرفيع ما لا يوصف. كيف وقد مدح الله في كتابه المهاجرين والأنصار. والذين معه بآيات. ولكن ذم في كتابه أيضا المنافقين من أهل المدينة الذين مردوا على النفاق وذم جماعة منهم بقوله:
(٤٧)