وبهذا، ظهر ما في قول ابن حجر المكي الشافعي في الفتاوى الحديثية (1): إنه لا يجوز لعن يزيد لأنه قاتل الحسين أو أمر بقتله، خلافا لمن تسامح في ذلك ورآه جائزا ممن لم يعتد به ولا بقوله في الأحكام الشرعية، وذلك لأنه لم يثبت أنه قتله ولا أمر بقتله ولا رضي به إلا ما حكي عن بعض التواريخ مما لا تقوم بمثله حجة. انتهى.
فلعمرك إن فيه استطالة على أكابر الأئمة الفقهاء، وإهانة لهم وإزراء عليهم أيما إزراء، كالإمام أحمد والكيا الهراسي وغيرهما من محققي أئمة الشافعية وغيرهم من أهل المذاهب، إذ كيف ساغ له أن يقول في آحاد هؤلاء إنه ممن لا يعتد به ولا بقوله في الأحكام الشرعية؟!
هذا مع ما حكاه شيخ الإسلام الشبراوي الشافعي في الإتحاف (2) عنه في شرح الهمزية أنه قال: قال الإمام أحمد بكفره - يعني يزيد - وناهيك به علما وورعا يقضيان بأنه لم يقل ذلك إلا لقضايا وقعت منه صريحة في ذلك، ثبتت عنده وإن لم تثبت عند غيره كالغزالي وابن العربي، فإن كليهما قد بالغ في تحريم سبه ولعنه، لكن كلاهما مردود، لأنه مبني على صحة بيعة يزيد لسبقها، والذي عليه المحققون خلاف ما قالاه. انتهى.
وأما قوله: " إلا ما حكي عن بعض التواريخ مما لا تقوم بمثله حجة "، فمن مكابرة الحقيقة، على أنا قد حكينا لك آنفا كلام معاوية بن يزيد في أبيه وجده عن كتابه الصواعق المحرقة، وفيه التصريح بأن أباه - لعنه الله - قتل عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو ممن حضر تلك الوقائع، وأهل البيت أدرى بما فيه.