مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٥٠ - الصفحة ١٩٧
" لا تكونوا لعانين " وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا " (1).
قلنا: هذا وارد في النهي عن اتخاذ اللعن خلقا بسبب المبالغة فيه والإفراط في ارتكابه بحيث ينجر إلى أن يلعن اللعان من لا يستحق اللعن - كما حكى ذلك ابن الجوزي عن خط القاضي أبي الحسين محمد بن أبي يعلى بن الفراء (2) -.
وليس فيه النهي عن لعن المستحقين، وإلا لقال (صلى الله عليه وآله وسلم): لا تكونوا لاعنين، ولا ينبغي لصديق أن يكون لاعنا، فإن بينهما (3) فرقا يعلمه من أحاط بدقائق تصاريف لسان العرب.
وأما نهي علي (عليه السلام) أصحابه عن لعن أهل الشام، فإنه (عليه السلام) كان يرجو إسلامهم ورجوعهم إليه، كما هو شأن الرئيس المشفق على الرعية، ولذلك قال (عليه السلام): " قولوا: اللهم أصلح ذات بيننا وبينهم ".
وهذا قريب من قول الله تعالى في قصة فرعون: * (فقولا له قولا لينا) * (4)، كذا قال أصحابنا رحمهم الله تعالى (5).
وقال ابن أبي الحديد المعتزلي الشافعي في (شرح النهج) (6): الذي كرهه (عليه السلام) منهم أنهم كان يشتمون أهل الشام، ولم يكن يكره منهم لعنهم

(١) صحيح مسلم باب النهي عن لعن الدواب وغيرها ٤ / ٢٠٠٥ ح ٢٠٩٧، سنن البيهقي ١٠ / ١٩٣.
(٢) الرد على المتعصب العنيد: ١٩.
(٣) أي بين وزن " فاعل " ووزن " فعال ".
(٤) سورة طه ٢٠: ٤٤.
(٥) نفحات اللاهوت: ٤٤، رياض السالكين: ٥٤٥، المحجة البيضاء ٥ / ٢٢٢.
(٦) شرح نهج البلاغة ١١ / 21.
(١٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 ... » »»
الفهرست