مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٤٧ - الصفحة ٢٣٧
التدوين المبكر عند الشيعة في علمي الرجال والدراية:
لقد حرص علماء الشيعة أشد الحرص على تحقيق الغاية من تدوين الأحاديث الشريفة وصيانتها، وذلك لأجل الوصول إلى الحكم الشرعي ومعرفته، ولهذا تتبعوا أحوال الرواة واحدا بعد آخر، وبالغوا في ذلك أشد المبالغة، ولم يكفهم التصريح بكذب الكاذب، ولعن الغلاة، والبراءة منهم على رؤوس الأشهاد، والتحذير منهم ومن مروياتهم، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك بكثير لا سيما في مدينة قم حاضرة الشيعة في أواخر عصر النص.
فقد تميزت قم عن غيرها بكونها من حصون التشيع المنيعة، مع ملاحقة مشايخها لكل من يتهم في حديثه، ولهم في ذلك مواقف عجيبة من المنحرفين تعدت حدود إهانتهم أمام الناس وضربهم، وطردهم من قم كلها، كما حصل ذلك مع الحلاج الكذاب على يد فقيه القميين وشيخهم علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (1)، حتى وصلت إلى درجة ترصد أخبار من يشك بكذبهم وغلوهم، فإذا ما ثبت لهم العكس تركوه (2)، وإلا تربصوا به الدوائر (3)، لكفره بالكذب على الله ورسوله وأهل بيته مع الخروج بهم (عليهم السلام) إلى حد الألوهية عن كونهم * (عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) * (4).
ويكفي في ذلك، أنهم أخرجوا من قم بعض مشايخها الأجلاء

(١) كتاب الغيبة - للشيخ الطوسي -: ٤٠٢ رقم ٣٧٧.
(٢) كما في رجال النجاشي: ٣٢٩ رقم ٨٩١.
(٣) كما في رجال الكشي ٢ / ٨٠٧ رقم ١٠٠٦.
(٤) سورة الأنبياء ٢١: 26 - 27.
(٢٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 ... » »»
الفهرست