وأهل المدينة بأصحابهما وبمن حف من بني الحرث معهما، فاعترضاهم فقالا: لو كففتم صدور ركابكم ومسستم الأرض فألقيتم عنكم تفثكم وثياب سفركم وشنيتم عليكم من باقي مياهكم كان ذلك أمثل، فانحدر القوم عن الركاب فأماطوا من شعثهم وألقوا عنهم ثياب بذلتهم ولبسوا ثياب صونهم من الأنجميات والحرير والحبر وذروا المسك في لممهم ومفارقهم، ثم ركبوا الخيل، واعترضوا بالرماح على مناسج خيلهم، وأقبلوا يسيرون رزدقا واحدا، وكانوا من أجمل العرب صورا وأتمهم أجساما وخلقا، فلما تشرفهم الناس أقبلوا نحوهم وقالوا: ما رأينا وفدا أجمل من هؤلاء.
فأقبل القوم حتى دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجده، وحانت صلواتهم فقاموا يصلون إلى المشرق، فأراد الناس أن ينهوهم عن ذلك فكفهم رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم أمهلهم وأمهلوه ثلاثا، فلم يدعهم ولم يسألوه لينظروا إلى هداه ويعتبروا ما يشاهدون منه مما يجدون من صفته.
فلما كان بعد ثلاثة دعاهم صلى الله عليه وآله إلى الإسلام.
فقالوا: يا أبا القاسم! ما أخبرتنا كتب الله عز وجل بشئ من صفة النبي المبعوث بعد الروح عيسى عليه السلام إلا وقد تعرفناه فيك، إلا خلة هي أعظم الخلال آية ومنزلة، وأجلاها أمارة ودلالة.
قال صلى الله عليه وآله: وما هي؟
قالوا: إنا نجد في الإنجيل من صفة النبي الغابر من بعد المسيح أنه يصدق به ويؤمن به، وأنت تسبه وتكذب به وتزعم أنه عبد.
قال: فلم تكن خصومتهم ولا منازعتهم للنبي صلوات الله عليه وآله إلا في عيسى عليه السلام.