وثانيهما: منع نقل الحديث وتداوله على الألسن.
أما الأسلوب الأول:
فقد كثر الكلام حوله، قديما وحديثا، فإن القدامى أولوه عناية كبيرة، فألفوا فيه مؤلفات مستقلة، مثل كتاب " تقييد العلم " للخطيب البغدادي، وأما علماء الدراية، ومصطلح الحديث، فقد خصصوا له في كتبهم مقاطع مفصلة وبحثوا فيه بشكل مستوعب.
وأما في العصر الأخير، فقد توسعت الكتابة حوله في المؤلفات المستقلة أو المقالات المفصلة، وفي مقدمات الكتب، كما استطرق إليه كل من كبت عن الحديث وعلومه وتاريخه، من علماء الشيعة وأهل السنة.
وقد وفقني الله ربي - فيما وفقني له من أعمال - أني قمت بتأليف متواضع في تدوين الحديث، فخرج محتويا على أدلة كل المانعين له، والمبيحين بشكل مستوعب، معتمدا كل مصادر البحث من طارف أو تليد.
وبالرغم من وجود بحوث متفرقة ضمن المؤلفات التي كتبها علماؤنا الأبرار إلا أني لم أقف قبل كتابي هذا، على تأليف مستقل في هذا الموضوع، والحمد لله على توفيقه ونسأله العون على إخراجه.
وقد وقفنا في ذلك الكتاب على كل ما اتخذوه من إجراءات قاسية ضد تدوين الحديث، إلى حد الاحراق، والإماثة في الماء، والغسل، والدفن، وشتى طرق الإبادة الأخرى.
وقد استند المانعون أنفسهم في تصرفاتهم تلك إلى أعذار أقبح من الأفعال تلك، مثل أنهم فرضوا أن الاشتغال بالسنة وكتابتها يؤدي إلى إهمال القرآن.
فأوضحنا في ذلك الكتاب أن هذه المقابلة بين السنة من جانب، والقرآن من جانب آخر، أمر باطل أساسا، إذ لا منافاة بينهما، بل السنة شارحة للقرآن، ومبينة لأغراضه.