الدين الجبعي العاملي، المعروف بالشهيد الثاني، المقتول سنة 965 ه، اللذين قدما حياتهما ثمنا لمواقف فقهية معارضة لسلاطين عصرهم.
وهكذا تراجعت عملية تفقيه نظم الدولة في الفقه الجعفري، إذ ما هي ثمرة البحث التي تكون نتيجتها في أفضل الأحوال أن يبقى ذلك البحث أفكارا نظرية، وتقف الحواجز والسدود دون تطبيقه؟!
فإقصاء الفقه والفقيه الشيعي عن شؤون الحكم والمجتمع أنتج فقها غزيرا عميقا تركز على الاهتمام بالفرد والتشريع والاستنباط لحل المشكلات الشخصية، وتحديد مواقف الأشخاص وتوجيه سلوكهم بما يطابق أحكام الإسلام.
وبذلك توارت عملية التنظير الفقهي للنظم الإسلامية في الفقه الجعفري، ولم يتغلب هذا الفقه حتى اليوم على الأسلوب التجزيئي، الذي ألف السير عليه في ظل ظروف قاهرة أرغمته على ذلك، ولكن بعض الأعمال على طريق فقه البرامج وفقه الدولة حققت نقلة نوعية في طريق الانتقال لفقه النظم وإعادة اكتشاف النظريات الأساسية التي تحدد مواقف الشريعة الإسلامية من قضايا الدولة والمجتمع، ويتفرد فقه مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في اختزانه لإمكانات وثروات تشريعية لا تنضب، بفعل الوفر العظيم مما بيده من نصوص المعصومين (عليهم السلام)، وديمومة الاجتهاد وتواصله منذ انتهاء عصر النص وغيبة الإمام المهدي (عليه السلام) حتى اليوم، مما سيوفر له طاقات كبيرة لبلوغ المرحلة المرتقبة.
بينما نجد التدوين في الإمامة قد سبق التدوين في نظم الدولة الإسلامية زمنيا كما سنلاحظ في ما عرضناه من مصادرها الأولى التي كتبت في القرنين الأول والثاني الهجريين، كما أن ما كتب حول الإمامة تجاوز في كميته مئات المرات ما كتب حول نظم الدولة الإسلامية، فترى كتاب الإمامة لفلان ثم نقضه لفلان ثم نقض نقضه وهكذا.
ومما سنلاحظ غزارة إنتاج الشيعة في موضوع الإمامة، في حين ندر إنتاجهم الخاص في نظم الدولة الإسلامية، وذلك يعود لأسباب عقائدية وسياسية فرضت عليهم