مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٥ - الصفحة ١٧١
أنه ما حظيت شخصية بالتكريم الإلهي والثناء المحمدي - وبهذا الإطناب الرائع - عدا شخصية أمير المؤمنين عليه السلام، وكذا لم ينقل لأحد ما نقل له من هذه الأوصاف والنعوت التكريمية (1)، واغترف الكثيرون من هذا البحر الكبير، في حين تجرأ البعض منهم فخاضوا عبابه، فما استدل معظمهم على مرافئه الآمنة وشواطئه الساكنة، فحلت بهم سفنهم حيث الضلال والانحراف.
فالتجرد الواعي، والنزاهة السليمة لا بد وأن تكون محك البحث، ومقياس الحكم، ومداد الأقلام، حيث أن مئات من السنين العجاف التي ألمت بالعالم الإسلامي لا بد وأن تستوقف كل ذي عقل لبيب، وذهن فطن.
فالصراع الأزلي بين الظلمة والنور، وبين الخير والشر لا يمكن أن يسترسل على منوال واحد وسبيل معروف، ومن الخطأ التسليم بأن لا جديد تحت الشمس، فالتلون أمسى ستارا يستخفي خلفه ذوو المآرب الدنيئة والنفوس الفاسدة.
ولعله من قبيل الأمر المسلم به أن الأمويين وقفوا كالشوكة المدببة، والذئب الضاري، يعمل أنيابه الناتئة وأضراسه الحادة في كل ما خلفه علي عليه السلام نسلا وحرثا وتراثا.
وهذي أمهات المكتبات حبلى من آثار تلك البصمات الوسخة التي حاولت جاهدة أن تخفي نور النهار بمساحة الكف.
وإذا كان الظلم قد أنشب أظافره بادئ ذي بدء بذاك الجسد الطري للصبي الذي كان أول من نطق بالشهادتين (2)، فإن هذا الظلم لازمه ولصق به حتى يومنا هذا، فلذا ما أصدق قوله عليه السلام: (أنا أول من يجثو بين يدي

(١) روى مثل هذا القول ابن حجر في الإصابة ٢ / ٥٠٧.
(٢) الرياض النضرة ٣ - ٤ / ١١٠، مستدرك الحاكم ٣ / ١٣٦، تاريخ بغداد ٢ / 8، الإستيعاب 2 / 457، رووا عن رسول الله صلى الله عليه وآله: (أولكم ورودا على الحوض أولكم إسلاما، علي ابن أبي طالب) وأورده الطبراني في الأوائل: 78 ح 51 بطرق مختلفة.
وروي عن زيد بن أرقم قوله: (كان أول من أسلم علي بن أبي طالب) الرياض النضرة 2 - 3 / 110 وقال: خرجه أحمد والترمذي.
(١٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 ... » »»
الفهرست