مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٦ - الصفحة ٣٩
المحترمة، فلم يجرأ أحد منهم على ذلك إلا شاب (8) يدعى نوح أفندي، من أذناب المنافقين، ومن دعاة التفرقة، حريص على الدنيا، فأفتى حسب ما يهواه السلطان وباع دينه دنيا غيره، فأصدر فتوى بتكفير الشيعة تحت عنوان: من قتل رافضيا واحدا وجبت له الجنة!! سببت قتل عشرات الألوف، فدارت رحى الحرب الداخلية تطحن المسلمين من الجانبين طيلة سبعة أشهر، ابتداء من 17 رجب سنة 1048 - 23 محرم سنة 1049 = 15 / 11 / 1638 - 17 / 5 / 1639 حيث عقدت معاهدة الصلح في مدينة قصر شيرين وأدت إلى انتهاء الحرب.
ولكن ما إن خمدت نيران الحرب إلا وأشعلوا نيران الفتن لإبادة الشيعة داخل الرقعة العثمانية استنادا إلى هذه الفتوى، فأخذ السيف منهم كل مأخذ، وأفضعها مجزرة حلب القمعية، فكانت حلب أشد البلاد بلاء وأعظمها عناء لأنها شيعية منذ عهد

(٨) توفي نوح أفندي الحنفي في عام ١٠٧٠ ه‍، ولم يؤرخوا ولادته، فلو قدر أنه عاش سبعين سنة فعند الفتوى - في سنة ١٠٤٨ ه‍ - يكون ابن ٤٨ سنة، ولو كان عمر ثمانين سنة يكون عندها ابن ٥٨ سنة، ولا شك أنه كان يتواجد عند ذاك من شيوخ الإسلام ومشيخة الدولة العثمانية عشرات العلماء ممن هو مقدم على نوح في سنه وعلمه وفقهه وشعبيته ولكنهم صمدوا أمام ضغط البلاط ولم يجرأ أحد منهم على إصدار كلمة واحدة توجب الشقاق والتفريق بين المسلمين وتتخذ ذريعة لسفك الدماء، وسبي النساء، وذبح الأبرياء وهتك الأعراض، ونهب الأموال، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: " من أعان على دم امرئ مسلم، ولو بشطر كلمة، كتب بين عينيه يوم القيامة: آيس من رحمة الله " [كنز العمال ١٥: ٣١ بألفاظ مختلفة ومصادر شتى، عن أبي هريرة وابن عمر وابن عباس].
وفي رواية: " لو أن أهل السماوات وأهل الأرض اجتمعوا على قتل مسلم لكبهم الله جميعا على وجوههم في النار، لو أن أهل السماء والأرض اجتمعوا على قتل رجل مسلم لعذبهم الله بلا عدد ولا حساب " [كنز العمال ١٥: ٣٣].
وهذا أمر متسالم عليه بين الفريقين، مروي بالطريقين، فقد روى الكليني في الكافي ٢: ٢٧٤ / ٣، والصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه ٤: ٦٨ / ٢٠١، وفي عقاب الأعمال: ٣٢٦، والبرقي في كتاب المحاسن، ١٠٣ / ٨٠ - وفيه عن أبي جعفر عليه السلاموالشيخ الطوسي في أماليه ١ / ٢٠١، عن الإمام الصادق عليه السلام، " من أعان على [قتل] مؤمن بشطر كلمة لقي الله عز وجل يوم القيامة مكتوب بين عينيه: آيس من رحمتي ".
وروى الكليني في الكافي ٧: ٢٧٢ / ٨، والصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه ٤: ٧٠ / 214، وفي عقاب الأعمال: 328، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " والذي بعثني بالحق لو أن أهل السماء والأرض شركوا في دم امرئ مسلم [أ] ورضوا به لأكبهم الله على مناخرهم في النار ".
وما رواه الفريقان في هذا المعنى كثير، راجع " وسائل الشيعة " 8: 617 - 618 و 19: 8 - 9 و " مستدرك الوسائل " 3: 250 - 251
(٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 ... » »»
الفهرست