مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٤ - الصفحة ١٣
3 - الاستقرار أعني به أن لا يكون المتصدي لهذا الفن منتقل الدار، مزعجا في وطنه من دار إلى دار، ومرتحلا من وطنه من قطر إلى قطر، وبخاصة نقلات هذا الزمان الذي صارت فيه الكرة الأرضية غابة وحوش كواسر، من نجا منها برأسه فقد سلم، وأصبح الإنسان فيها من سقط المتاع.. لا حرمة ولا كرامة.
والمنتقل من وطنه غريب - إن لم يكن متمولا - لا يجد في البلد الجديد إلا الصد والرد، ولا مثنوية في هذا.. ومن ذاق عرف..
ورب سائل: ما هي حاجة المحقق إلى الاستقرار؟ والعلم في الصدور لا في الصناديق..!؟
وفي جوابه نقول:
إن سعة المعارف التي وصلت إليها البشرية، ومخلفات السلف الضخمة وكون المحقق مجددا لبناء قد تشعث، أو مزينا له وقد حال عن روائه الأول، فهو لا شك محتاج إلى الآلة التي تعينه في عمله وهي آلة يشق معها الانتقال.
وطالب هذا الفن - حق الطلب - مولع بالكتب، باذل ما يضن به غيره في سبيل اقتنائها - ومن المعلوم أن أثمن المكتبات ما كان حصيلة عمر عالم أو باحث - فعلى مر الأيام تتجمع عنده مكتبة أقل ما يقال فيها أنها بقدر أثاث بيته.. والكتاب ثقيل يحتاج إلى العناية في نقله من مكان إلى مكان.
وطالب هذا الفن - أيضا - مغرم بالقراءة والتقييد والتسجيل، لا تكاد تمر به نكتة علمية إلا ودونها في طواميره، أو حزمها في أضابيره، فتكون له من هذه التقييدات أكوام من الجزازات، هي خلاصة مطالعاته وزبدة ملاحظاته.
ثم هو غير بالغ هذه المرتبة إلا بعد وهن العظم واشتعال الرأس شيبا، وذلك الوقت من عمره مظنة استقراره من عناء الطلب.. ومن الكدح في سبيل العيش.
ومن المعلوم عند العارفين اعتذار الصاحب بن عباد عن قبول منصب الوزارة في بلد غير بلده، لأن مكتبته فقط تحتاج في نقلها إلى مائتي بعير.
وانظر إلى من استقرت به الدار.. كم هو محكم التحقيق لطيف التدقيق، واستثن من هو ملصق بهذا الفن طارئ عليه.
(١٣)
مفاتيح البحث: الوسعة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 ... » »»
الفهرست