وضغينة أبي سفيان وحفيظة آكلة الأكباد على محمد صلى الله عليه وآله ومن اتبعه.
وقد حاول بعضهم تخفيف وطأتها، لشعورهم بعظمتها وكونها وصمة لا تزول من تاريخ فاعليها، فعبر عنها الذهبي والأسنوي بأن النسائي: " خرج حاجا فامتحن بدمشق فأدرك الشهادة " (1).
ولما ذا أدرك الشهادة؟ أفي حرب لأهل الشام مع الروم! أم في دفاع عن حريم الإسلام ضد الغزاة!
القارئ المتمعن في قراءته، يعلم - بعد البحث والتنقير - أن الصحيح الثاني، ولكن ضد من؟.. إنه رحمه الله استشهد دفاعا عن الإسلام ضد المنافقين الذين هدموا الإسلام وغيروا مجراه، وجنوا على أنفسهم وعلى البشرية بغصب المعصوم مقامه حتى وصلت خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله.. هذا المنصب الإلهي الجليل.. إلى يزيد القرود والفهود والخمور..
وآل الأمر إلى أن صار من تغلب على الحكم ونجح فهو أمير المؤمنين، يفرض نفسه على الإسلام، وعلى الأمة المسلمة وعلى الشريعة أن تقلبه إماما مطاعا حتى إذا كان عفلقا أو عفلقيا، وتصادق على كل تصرفاته مهما كانت، فله الحرية الكاملة في القتل والشنق والإعدامات والمصادرات...
وهذا السبكي وصنوه الأسنوي يقولان: " ودخل دمشق فسئل عن معاوية ففضل عليه عليا كرم الله وجهه، فأخرج من المسجد وحمل إلى الرملة " (2).
وقارئ نصهما لا يرى فيه إلا الإخراج من المسجد والحمل إلى الرملة، ولكن لسائل أن سأل: إن كان خرج من المسجد صحيحا معافى، ما حاجته إلى أن يحمل؟!
.. إن السالم الصحيح يستطيع أن يسير هو إلى الرملة، أما الحمل فلا يكون إلا لمن تضعضعت أركانه وانهد بنيان جسمه.
وعلى كل حال.. فإن شيبة هذا الرجل وقد ذرف على الثمانين من عمره، بل كاد أن يتناول التسعين.. وعلم هذا الرجل واعترف مؤرخيهم ومترجميهم بشيخوخته للإسلام.. وغربته وكونه ضيفا عليهم.. وقدسية مقصده، فإنه خرج حاجا.