ثم رأيت أن ألطافه وصنائعه وأياديه، لا تبرح تترادف على صنيعة بره وغريسه نعمائه، وأن ترك الاعتراف بالقصور نوع من التقصير، وأن إبداء العجز عن الشكر طرف من الشكر.
فمن شروي ذلك تجاسرت بهذه العريضة، لتحظى عني بلثم أناملك التي طالما أنعشتني من العفاء، وأراشتني وكنت على شفا بالشفاء، نعم يا سيدي وما هي بإحدى أياديك وأولى صنائعك، التي أعد منها ولا أعددها، ولم يختلف الحال في مغيبي ومشهدي، ولا تفاوتت رعايتك لي في سفري وحضري، حتى أقول مقالة الطائي:
وما سافرت في الآفاق إلا * ومن جدواك راحلتي وزادي مقيم الظن عندك والأماني * وإن قلقت ركابي في البلاد كيف ولم يزل من جدواك زادي، وأنا في كنف بلادي، وما برحت مقيم الظن عندك والأماني، وأنا في أظلة أوطاني، أفليس بعد ذاك، من فرض وفاك، أن أقول: جعلني الله فداك، أفليس حقا أن أقول: لا أبقى الله بعدك عبدك الذي استعبدته بعد فرض ولايتك عليه بالاحسان إليه؟!
وطالما استعبد الإنسان إحسان.
نعم يا سيدي.. معذرة إليك وعفوا، فالقرائح جامدة، والأفكار بالهموم خامدة، ووحشة الانفراد والغربة، رمتني - وعافاك الله - بفوادح الكربة، وعدم الأنيس والعشير، والصاحب والسجير، لم يترك من فطنتي شروى فتيل أو نقير، وأنا أصبح و أمسي:
أرى أناسا لا أنيس فيهم * ولا أرى إلا جنابا يجتنب كيف السبيل والسجايا هذه * منهم إلى أنس بحال يجتلب هم ممعنون هربا من قربنا * وجانبي ممتنع مع (1) الطلب عزة نفس لا يصاد وحشها * إلا بإكرام وإلا بقرب سكبت ماء العين ما شاء النوى * في غربتي وماء وجهي ما انسكب بين الشآم والعراق عارقي (2) * فواغر الدهر بأنياب النوب