من البحث حول ذلك الحديث، ولهذا البحث مرحلتان:
الأولى: أن يكون الحديث واجدا لشرائط الاحتجاج عند الخصم - أعني اعتباره سندا وصحة الاستدلال به - وذلك لا يتم إلا بدفع كل ما قيل أو يمكن أن يقال من قبل الخصم في كلتا الناحيتين، وإن شئت فسم هذه المرحلة بمرحلة الاقتضاء.
والثانية: أن يجاب عن كل ما ذكر أو يمكن أن يذكر معارضا للحديث المستدل به، وإن شئت فسم هذه المرحلة بمرحلة عدم المانع.
ولقد أحسن وأتقن السيد المؤلف البحث في هاتين المرحلتين، مع كمال الاخلاص والانصاف، والتتبع الشامل، والاستقراء الدقيق، ونحن نشير إلى بعض جزئيات أسلوبه في هذا المضمار:
1 - عدم نقل المؤلف في هذا الكتاب الكبير شيئا عن غير أعلام أهل السنة في كل علم.. حتى في الاستدلال أو الاستشهاد بقاعدة نحوية مثلا..
2 - إثباته تواتر الأحاديث المبحوث عنها، بنقل كل حديث عن جماعة من رواية في كل قرن حتى القرن الثالث عشر الهجري، مراعيا في ذلك سني وفيات الرواة و طبقاتهم... ومترجما لكل راو عن عدة من علماء رجال الحديث وأئمة الجرح والتعديل..
3 - الكشف عن مداليل الأحاديث المبحوث عنها، عن طريق فهم الأصحاب السامعين للحديث والمعاصرين لزمان صدوره، ثم فهم التابعين، ثم اعتراف أكابر علماء أهل السنة في القرون المختلفة.
4 - وحيث يحتاج إتمام دلالة الحديث على المطلوب إلى البحث والاستدلال، تراه لا يحتج إلا بالقواعد المقررة في كل علم، والمسلمة عند أئمة ذلك العلم.
5 - التعرض لما ذكر أو يمكن أن يذكر معارضا للحديث المستدل به، ثم تفنيده بالطعن في سنده، والمناقشة في دلالته، على ضوء كلمات علماء أهل السنة المعتمدين، ثم نقضه أو معارضته بحديث آخر هم رووه... فبهذه الوجوه أو بعضها أو غيرها، تتم المرحلة الثانية من الاستدلال بعد إتمام المرحلة الأولى.
وكم كشف في هذه البحوث عن تناقضات علماء أهل السنة فيما بينهم - بل تناقض الواحد منهم في كلماته - وعن تحريفهم للأحاديث ونصوص الكلمات، وعن دعاوى وأكاذيب، وعن أسانيد لا أصل لها، وعن أحاديث موضوعة، وعن رواة