رؤية الله في ضوء الكتاب والسنة والعقل - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٧٧
4 - (واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين) (الأعراف / 155).
إلى هذه اللحظة الحساسة لم يتكلم موسى (عليه السلام) حول الرؤية ولم ينبس بها ببنت شفة ولم يطلب شيئا، وإنما طلب منه سبحانه أن يحييهم حتى يدفع عن نفسه اعتراض قومه إذا رجع إليهم، وهو القائل: (قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك).
فلو كان هناك سؤال فإنما كان بعد هذه المرحلة وبعد إصابة الصاعقة السائلين، وعودتهم إلى الحياة بدعاء موسى، وعندئذ نتساءل هل يصح للكليم أن يطلب السؤال لنفسه وقد رأى بأم عينيه ما رأى؟ كلا، وكيف يصح له أن يسأله وقد وصف السؤال بالسفاهة، فلم يبق هناك إلا احتمال آخر، وهو أنه بعدما عاد قومه إلى الحياة أصروا على موسى وألحوا عليه أن يسأل الرؤية لنفسه لا لهم حتى تحل رؤيته لله مكان رؤيتهم فيؤمنوا به بعد إخباره بالرؤية (1)، وهذا هو المعقول والمرتقب من قوم موسى الذين عرفوا بالعناد واللجاج، وبما أن موسى لم يقدم على السؤال إلا بإصرار منهم لكي يسكتهم، لذلك لم يتوجه إلى الكليم أي تبعة ولا مؤاخذة، بل خوطب بقوله (لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل

(1) أو لتستمعوا النص باستحالة ذلك من عند الله كما سيوافيك في كلام الزمخشري.
(٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 ... » »»