التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٢٠٧
بالأرض وإنما أراد تسطيحه جمعا بين الأخبار ".
وأخيرا لم يرد في حديثه صلى الله عليه وآله وسلم بل قال: " ولا قبرا إلا سويته ولا بناء مبنيا على القبر ولا قبة إلا سويتها "، فإذن المراد ليس إلا ما ذكرناه من عدم جعل نفس القبر مسنما، وأما البناء فوق القبر فليس بمقصود وليس هناك ما يدل من الحديث على عدم جواز البناء على القبور، بل السيرة العملية للمسلمين على خلافه كما عرفت.
وحتى لو فرضنا أن المراد من التسوية هو تخريب القباب والأبنية المقامة على القبور، فمن المحتمل جدا أن يكون المراد هو قبور المشركين المقدسين - آنذاك - من قبل الوثنيين وأهل الشرك، إذ كانت تلك القبور بعد ظهور الإسلام متروكة على حالها، ويؤيد هذا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث عليا - عليه السلام - لمحو الصور وهدم التماثيل الموجودة في أطراف المدينة أو غيرها، وليست هذه التماثيل والصور، إلا الأصنام والأوثان التي كانت تعبد حتى بعد ظهور الإسلام.
وعلى هذا فأي ارتباط لهذا الحديث بقبور الأنبياء والأولياء والصالحين؟
2 - قال الله الكريم:
(في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار) (النور: 36 - 37).
الاستدلال بهذه الآيات على جواز البناء على القبور يتوقف على أمرين:
1 - ما هو المراد من هذه البيوت؟
2 - ما المراد من رفعها؟
أما الأمر الأول فقد روي عن ابن عباس أن المراد بها هي المساجد، تكرم وينهى عن اللغو فيها، ويذكر فيها اسمه.
(٢٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 ... » »»