التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١٥
إن تصور تعدد المدبر لهذا العالم يكون على وجوه:
1 - أن يتفرد كل واحد من الآلهة المدبرة بتدبير مجموع الكون باستقلاله، بمعنى أن يعمل كل واحد ما يريده في الكون دونما منازع، ففي هذه الصورة يلزم تعدد التدبير لأن المدبر متعدد ومختلف في الذات فيلزم تعدد التدبير، وهذا يستلزم طروء الفساد على العالم وذهاب الانسجام المشهود وهذا ما يشير إليه قوله سبحانه:
(لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون) 2 - وأما أن يدبر كل واحد قسما من الكون الذي خلقه، وعندئذ يجب أن يكون لكل جانب من الجانبين نظام مستقل خاص مغاير لنظام الجانب الآخر وغير مرتبط به أصلا، وعندئذ يلزم انقطاع الارتباط وذهاب الانسجام من الكون، في حين أننا لا نرى في الكون إلا نوعا واحدا من النظام يسود كل جوانب الكون من الذرة إلى المجرة.
وإلى هذا الشق أشار بقوله: في الآية الثانية:
(إذا لذهب كل إله بما خلق).
3 - أن يتفضل أحد هذه الآلهة على البقية ويكون حاكما عليهم ويوحد جهودهم، وأعمالهم ويسبغ عليها الانسجام والاتحاد وعندئذ يكون الإله الحقيقي هو هذا الحاكم دون الباقي.
وإلى هذا يشير قوله سبحانه:
(ولعلا بعضهم على بعض).
فتلخص أن الآيتين بمجموعهما تشيران إلى برهان واحد ذا شقوق تتكفل كل واحدة منهما بيان شق خاص.
(١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 ... » »»