التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١٣
10 - مر في هذا البحث حصر التدبير في الله حتى إذا سئل من بعض المشركين عن المدبر لقالوا: هو الله، إذ يقول في الآية 31 من سورة يونس:
(ومن يدبر الأمر فسيقولون الله).
بينما اعترف القرآن بصراحة في آيات أخرى بمدبرية غير الله حيث يقول:
(فالمدبرات أمرا) (النازعات - 5).
* * * فمن لمن يكن له إلمام بمعارف القرآن يتخيل لأول وهلة أن بين تلك الآيات تعارضا غير أن الملمين بمعارف الكتاب العزيز يدركون أن حقيقة هذه الأمور (أعني الرازقية، والإشفاء..) قائمة بالله على نحو لا يكون لله فيها أي شريك فهو تعالى يقوم بها بالأصالة وعلى وجه " الاستقلال "، في حين أن غيره محتاج إليه سبحانه في أصل وجوده وفعله، فما سواه تعالى يقوم بهذه الأفعال والشؤون على نحو " التبعية " وفي ظل القدرة الإلهية.
وبما أن هذا العالم هو عالم الأسباب والمسببات، وأن كل ظاهرة لا بد أن تصدر وتتحقق من مجراها الخاص بها المقرر لها في عالم الوجود ينسب القرآن هذه الآثار إلى أسبابها الطبيعية دون أن تمنع خالقية الله من ذلك، ولأجل ذلك يكون ما تقوم به هذه الموجودات فعلا لله في حين كونها فعلا لنفس الموجودات. غاية ما في الأمر أن في نسبة هذه الأمور إلى الموجود الطبيعي نفسه إشارة إلى الجانب " المباشري "، وفي نسبتها إلى " الله " إشارة إلى الجانب " التسبيبي ".
ويشير القرآن إلى كلا هاتين النسبتين في قوله سبحانه:
(وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) (الأنفال - 17).
(١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 ... » »»