التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١٤٥
أطار السنن الطبيعية كان شركا وملازما للاعتقاد بإلوهية الجانب الآخر المسؤول (1).
غير أن هذا التفصيل لا يمكن الركون إليه إذ جرت سيرة العقلاء على طلب المعجزة والأمور الخارقة للعادة من مدعي النبوة، وقد نقل القرآن تلك السيرة عن الذين عاصروا الأنبياء من دون أن يعقب على ذلك بالرد والنقد، قال سبحانه حاكيا عنهم:
(قال إن كنت جئت ب آية فأت بها إن كنت من الصادقين) (الأعراف - 106).
وقد كان الأنبياء يدعون الناس ليشهدوا ما يقع على أيديهم من خوارق العادات وعلى هذا فالإنسان المستهدي المتطلب لمعرفة صدق دعوى المتنبئ كالسيد المسيح وغيره إذا طلب منه أن يبرئ الأكمه ويشفي الأبرص - بإذن الله - (2) لا يكون مشركا ومثله فيما إذا طلب ذلك منه بعد رفعه إلى الله سبحانه فلا يمكن التفكيك بين الصورتين باعتبار الأول عملا توحيديا، والثاني عملا ممزوجا بالشرك.
أضف إلى ذلك أن بني إسرائيل طلبوا من موسى الماء والمطر وهم في التيه ليخلصهم من الظمأ إذ يقول سبحانه: (وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر) (الأعراف - 160).
وقد طلب سليمان من حضار مجلسه إحضار عرش المرأة التي كانت تملك قومها كما يحكي سبحانه:
(قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين * قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك) (النمل: 38 - 39).

(١) راجع المصطلحات الأربعة: 14.
(2) راجع للوقوف على معاجز سيدنا المسيح سورة آل عمران الآية 249 والمائدة الآية 110.
(١٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 140 141 142 143 144 145 146 147 149 150 151 ... » »»