أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٩٨
تفاوت بينهم (1).
وهذا التصور المذكور يمكن تثبيت جملة من الملاحظات عليه:
أولا: إن التفكيك بين المرحلتين الأوليين، وإن الأولى منهما كانت في عصر النبي، وظهرت بوادر المرحلة الثانية بعد رحلة النبي، قد نقضه نفس الكاتب في كلامه حيث قال: كان رواد التشيع الروحي يلتزمون بآراء علي الفقهية إلى جانب الالتزام بإسناده سياسيا (2).
وثانيا: إن ما ذكره من النصوص في مجال التشيع الروحي كما يدل على أن عليا هو القائد الروحي، فإنه يدل بوضوح على أنه القائد السياسي، وقد نقل الكاتب جل النصوص الواردة في هذا المبنى، فمعنى التفكيك بينهما هو أن الصحابة الواعين أخذوا ببعض مضامينها وتركوا بعضها، ولو صح إسناد ذلك إلى بعض الصحابة فلا يصح إسناده إلى سلمان، وأبي ذر، وعمار، الذين لا يتركون الحق وإن بلغ الأمر ما بلغ.
وبما أن النبي كان هو القائد المحنك للمسلمين، فإنه لم تكن هناك حاجة لظهور التشيع السياسي في حياته، بل كان المجال واسعا لظهور التشيع الروحي ورجوع الناس إلى علي في القضايا والأحكام الفقهية، وهذا لا يعني عدم كونه قائدا سياسيا وإن وصايا النبي لم تكن هادفة إلى ذلك الجانب.
وثالثا: إن التشيع السياسي ظهر في أيام السقيفة في ظل الاعتراف بإمامته الروحية، فإن الطبري وغيره وإن لم يذكروا مصدر رجوع الزبير والعباس إلى علي، ولكن هناك نصوص عن طرق الشيعة وردت في احتجاج جماعة من الصحابة على أبي بكر مستندين إلى النصوص الدينية.
فقد روى الصدوق عن زيد بن وهب أنه قال: كان الذين أنكروا على أبي بكر

(1) تاريخ الإمامية: 38 - 47.
(2) تاريخ الإمامية: 45.
(٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 93 94 95 96 97 98 99 100 101 103 104 ... » »»