أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٥٥٩
الارتعاش، ويهدم مروته، ويحمله إلى التجسر على المحارم من سفك الدماء، وركوب الزنا " (1).
وغيرها من النصوص المتضافرة عن أئمة الدين (2).
فإذا كانت الأحكام تابعة لمصالح ومفاسد في الموضوع، فالغاية المتوخاة من تشريعها إنما هي الوصول إليها، أو التحرز عنها، وبما أن المصالح والمفاسد ليست على وزان واحد، بل رب واجب يسوغ في طريق إحرازه اقتراف بعض المحارم، لاشتماله على مصلحة كبيرة لا يجوز تركها أصلا، ورب حرام ذي مفسدة كبيرة، لا يجوز اقترافه، وإن استلزم ترك الواجب أو الواجبات.
ولأجل ذلك فقد عقد الفقهاء بابا خاصا لتزاحم الأحكام وتصادمها في بعض الموارد، فيقدمون الأهم على المهم والأكثر مصلحة على الأقل منها، والأعظم مفسدة على الأحقر منها، وهكذا... ويتوصلون في تمييز الأهم عن المهم، بالطرق والأمارات التي تورث الاطمئنان، وباب التزاحم في علم الأصول غير التعارض فيه، ولكل أحكام.
وقد أعان فتح هذا الباب على حل كثير من المشاكل الاجتماعية التي ربما يتوهم الجاهل أنها تعرقل خطى المسلمين في معترك الحياة، وأنها من المعضلات التي لا تنحل أبدا، ولنأتي على ذلك بمثال وهو:
إنه قد أصبح تشريح بدن الإنسان في المختبرات من الضروريات الحيوية التي يتوقف عليه نظام الطب الحديث، فلا يتسنى تعلم الطب إلا بالتشريح والاطلاع على خفايا الأمراض والأدوية.
غير أن هذه المصلحة، تصادمها مسألة احترام الإنسان حيا وميتا، إلى حد

(١) المجلسي، بحار الأنوار ٦٢: ١٦٤ / 2.
(2) راجع علل الشرائع للشيخ الصدوق فقد أورد فيه ما أثر عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) في بيان علل التشريع.
(٥٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 554 555 556 557 558 559 560 561 562 563 564 ... » »»