أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٧
وأما ما يمكن الاعتقاد به من بقايا آثار الرسالات السابقة، فلا تعدو كونها ذبالات محتضرة لم تستطع الصمود أمام تيارات التزييف والكذب والخداع التي مسخت صورتها إلى أبعد الحدود.
نعم بعث محمد (صلى الله عليه وآله) إلى قوم خير تعبير عنهم قول جعفر بن أبي طالب للنجاشي:
أيها الملك كنا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسئ الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف.
هذا في الوقت الذي كانت فيه مراكز القوى تلك تتضخم وتتعاظم على حساب ضياع البشرية وموت مبادئها.
وهكذا فقد كانت الدعوة الإسلامية الفتية وصاحبها (صلى الله عليه وآله) في مواجهة هذه المراكز بامتداداتها الرهيبة وقدراتها العظيمة، والتي كونت أعنف مواجهة شرسة وقتالا ليس له مثيل صبغ أرض الجزيرة ورمالها الصفراء بلون أحمر قان لسنوات لم يعرف فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخيرة أصحابه للراحة طعما وللسكون مسكنا.
إن تلك الحصون المليئة بالشر والخراب لم تتهاو إلا بعد جهد جهيد وسيل جارف من الدماء الطاهرة التي لا توزن بها الجبال، من رجال وقفوا أنفسهم وأرواحهم من أجل هذا الدين وصاحبه (صلى الله عليه وآله).
فاستطاع رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يقيم حكومة الله تعالى في الأرض، وأن يثبت فيها الأركان على أساس الواقع والوجود، فلم تجد آنذاك كل قوى الشر بدا من الاختباء في زوايا العتمة والظلام تتحين الفرص السانحة والظروف الملائمة للانقضاض على هذا البنيان الذي بدا يزداد شموخا وعلوا مع تقادم السنين.
لقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يدرك عيانا أن نقطة ضعف هذه الأمة يكمن في تفرقها وفي تبعثر جهودها مما سيمكن من ظهور منافذ مشرعة في هذا البنيان الكبير لا تتردد أركان الكفر وأعداء الدين المتلونون والمتسترون من النفوذ خلالها
(٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « 3 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 ... » »»