عيني، وتوليت خدمته بنفسي، وأحسنت عشرته، فلما قدمت به بغداد، بدأت بإسحاق بن إبراهيم الطاهري وكان واليا على بغداد، فقال لي: يا يحيى إن هذا الرجل قد ولده رسول الله، والمتوكل من تعلم، فإن حرضته عليه قتله، كان رسول الله خصمك يوم القيامة. فقلت له: والله ما وقعت منه إلا على كل أمر جميل.
ثم صرت به إلى " سر من رأى " فبدأت ب " وصيف " التركي، فأخبرته بوصوله، فقال: والله لئن سقط منه شعرة لا يطالب بها سواك، فلما دخلت على المتوكل سألني عنه فأخبرته بحسن سيرته وسلامة طريقه وورعه وزهادته، وأني فتشت داره ولم أجد فيها إلا المصاحف وكتب العلم، وأن أهل المدينة خافوا عليه، فأكرمه المتوكل وأحسن جائزته وأجزل بره، وأنزله معه سامراء (1).
ومع أن الإمام كان يعيش في نفس البلد الذي يسكن فيه المتوكل، وكانت العيون والجواسيس يراقبونه عن كثب، إلا أنه وشي به إلى المتوكل بأن في منزله كتبا وسلاحا من شيعته من أهل قم، وأنه عازم على الوثوب بالدولة، فبعث إليه جماعة من الأتراك، فهاجموا داره ليلا فلم يجدوا فيها شيئا، ووجدوه في بيت مغلق عليه، وعليه مدرعة من صوف وهو جالس على الرمل والحصى، وهو متوجه إلى الله تعالى يتلو آيات من القرآن، فحمل على حاله تلك إلى المتوكل وقالوا له: لم نجد في بيته شيئا، ووجدناه يقرأ القرآن مستقبل القبلة، وكان المتوكل جالسا في مجلس الشراب فأدخل عليه والكأس في يده، فلما رآه هابه وعظمه وأجلسه إلى جانبه، وناوله الكأس التي كانت في يده، فقال الإمام (عليه السلام): " والله ما خامر لحمي ودمي قط، فاعفني " فأعفاه، فقال له: أنشدني شعرا، فقال علي: " أنا قليل الرواية للشعر " فقال: لا بد، فأنشده وهو جالس عنده: