في الآراء والمذاهب والأحزاب كل ينصر رأيه بالقول وبالعمل على رأي خصمه، وكل يصارع في سبيل عقيدته هذه أو تلك بالفكر حينا وبالسلوك أحيانا، وعلينا أن ندرك أن هذا كله وغيره ليس إلا دلائل صحة، لا دلائل وهن أو هزيمة، وأن الصراع دائما يدل على اليقظة لا على الموت، ما دام لا يفضي إلى انشقاق في صفوف الأمة، أو مواجهة عدائية بين الطوائف، وقد اكتمل الدين حينما اكتمل نزول القرآن، ولقد كان الإسلام على عهد الرسول دعوة وفكرة - أكثر منه دولة وسلطانا، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أقام دولة على أساس من التشريع القرآني، فقد كانت دولة صغيرة الحدود على أية حال، ولكنها كانت نوية قوية، قابلة دائما على النمو والازدهار، وبقي أن تكتمل الدولة بعد ذلك فتوسع من آفاقها وتنشر من سلطانها على هذه الأسس السليمة، كانت نواة في مثل صلابة " الجرانيت " يحمل لواءها نفر من المؤمنين الأتقياء لا يبالون أين يكون الموت، إذا هو - عندهم - دور من أدوار الحياة، ومرحلة من مراحل الوجود، فهم لا يخشون شيئا ولا أحدا ولا دولة من الدول، ولا حكومة، من الحكومات، وإنما يذيعون نظريتهم في مجال الفكر وفي مجال التطبيق على السواء، وقد بدأ صفوة المسلمين - وعلى رأسهم - علي عليه السلام يتتوقون إلى بناء الدولة الوليدة، على أساس من النظرية والعقيدة، واختلفت الآراء بين الصفوة وبين عامة المسلمين، ممن لم تتدخل العقيدة في مسرى دمائهم.
كانت الدولة وليدة في المهد، وقد تعرض الوليد لكل ما يتعرض له