الشيعة في الإسلام - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ١٣
جزء منه، وتأملاته عن حقيقتها، ويتضح هذا الموضوع بالتأمل في الآراء المختلفة التي يرتأيها الناس في حقيقة العالم.
فالذين يحصرون الوجود في هذا العالم المادي المحسوس، ويعدون الانسان كائنا ماديا محضا (يحيى بتدفق الحياة في جسمه، ويفنى بالموت) فان نظرتهم هذه إلى الحياة نظرة مادية بحتة، فهم يسعون إلى تحقيق متطلباتهم المادية، ويبذلون في هذا السبيل قصارى جهودهم لتذليل الظروف والعوامل الطبيعية لأغراضهم ومصالحهم الخاصة.
واما الذين يعتقدون بأن عالم الطبيعة من صنع خالق أعلى شأنا من الطبيعة، مثل عبدة الأوثان، فإنهم يذهبون إلى أن العالم مخلوق، وخاصة الانسان، وقد أسبغ الخالق نعمه عليه، كي ينعم بخيراتها، فهم ينسقون برامج حياتهم وفقا لرضى الخالق، مبتعدين عن سخطه وغضبه، فإذا ما استطاعوا جلب رضاه، فنعمه موفورة، مغدقة عليهم، وإذا زالت النعم فدليل سخطه عليهم.
وهناك من يعتقد بالله سبحانه وحده، وينظر إلى حياة الانسان خالدة، وهو مسؤول عن أعماله خيرها وشرها، ويقر بيوم الجزاء (القيامة) كالمجوس واليهود والنصارى والمسلمين، فهم يسلكون طريقا في حياتهم، مراعين فيه هذا الأصل الاعتقادي، كي يحصلوا على سعاة الدارين، الدنيا والآخرة.
ان مجموع هذه المعتقدات والأسس (الاعتقاد بحقيقة الانسان والكون) وما يلازمها من احكام، وأنظمة متناسقة، والتي تدخل في نطاق عملهم في الحياة تسمى ب المذهب مثل مذهب التسنن والتشيع في الاسلام، أو مذهب الملكاني والنسطوري في المسيحية.
وبناء على ما تقدم، يستحيل على الانسان - وان كان منكرا لوجود الله تعالى - ان يكون في غنى عن الدين (دستور الحياة الذي بني على أصل اعتقادي). فالدين اذن طريقة الحياة التي لا تنفك عنها.
والقرآن الكريم، يشير إلى أن الانسان لابد ان ينتهج الدين طريقا له ومسلكا، وهذا الطريق قد جعله الله تعالى لكافة البشر، وبانتهاجه يصل إلى الله جل وعلا.
ولكن الأمر يختلف بالنسبة إلى الافراد، فأما الذين سلكوا الدين الحق وهو الاسلام، فقد سلكوا طريق الصواب، واما الذين مالوا عن هذا الطريق، فقد ضلوا ضلالا مبينا 1.

1) الا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا الآية 44، سورة الأعراف.
(١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 8 9 10 11 12 13 14 15 17 18 19 ... » »»