كما فعل بالأمس فأكلوا حتى ما لهم بشئ من حاجة، ثم قال: اسقهم فجئتهم بذلك العس فشربوا منه جميعا حتى رووا، ثم تكلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم أن شابا في العرب جاء قومه بأفضل ما جئتكم به، إني جئتكم بخير الدنيا والآخرة، قد أمرني الله أن أدعوكم إليه فأيكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فأحجم القوم جميعا، وقلت أنا، وإني لأحدثهم سنا وأومضهم عينا وأعظمهم بطنا وأجمعهم (1) ساقا: أنا يا رسول الله أكون وزيرك عليه، فأعاد القول فأمسكوا وأعدت ما قلت فأخذ برقبتي ثم قال لهم:
هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع " (2).
الخامس والأربعون: ابن أبي الحديد في الشرح قال: قال شيخنا أبو جعفر الإسكافي وهو أيضا من أعيان علماء العامة: قد ورد في الخبر الصحيح أنه صلى الله عليه وآله كلف عليا في مبدأ الدعوة قبل ظهور كلمة الإسلام وانتشارها بمكة أن يصنع له طعاما وأن يدعو له بني عبد المطلب، فصنع له الطعام ودعاهم له فخرجوا ذلك اليوم، ولم ينذرهم لكلمة قالها عمه أبو لهب، فكلفه في اليوم الثاني أن يصنع له مثل ذلك الطعام وأن يدعوهم ثانية، فصنعه ودعاهم فأكلوا ثم كلمهم (صلى الله عليه وآله) فدعاهم إلى الدين ودعاه معهم لأنه من بني عبد المطلب، ثم ضمن لمن يؤازره منهم وينصره على قوله أن يجعله أخاه في الدين ووصيه بعد موته وخليفته من بعده، فأمسكوا كلهم وأجاب هو وحده، وقال: أنا أنصرك على ما جئت به وأوازرك وأبايعك، فقال لهم لما رأى منهم الخذلان ومنه النصر وشاهد منهم المعصية ومنه الطاعة وعاين منهم الأدبار ومنه الإجابة: " هذا أخي ووصيي وخليفتي من بعدي "، فقاموا يسخرون ويضحكون ويقولون لأبي طالب: أطع ابنك فقد أمره عليك (3).
السادس والأربعون: ابن أبي الحديد في الشرح قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله عز وجل قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق آدم قسم ذلك النور فيه وجعله جزءين فجزء أنا وجزء علي " رواه أحمد في المسند وفي كتاب فضائل علي (عليه السلام) وذكره صاحب كتاب الفردوس وزاد فيه: " ثم انتقلنا حتى صرنا في عبد المطلب فكان لي النبوة ولعلي الوصية " (4).