مشهور مسلم لا كلام لأحد فيه وما ذكر من بلائه يوم بدر وأنه قتل الرجال من صناديد قريش فهو صحيح وهو أول من بارز الصف يوم بدر حين خرج عتبة وشيبة والوليد بن عتبة وطلبوا المبارز فخرج إليهم فئة من الأنصار فقالوا لا نبارزكم ثم نادوا يا محمد فتخرج إلينا أكفأنا من قريش فقال رسول الله (ص) يا عبيدة يا حمزة يا علي اخرجوا فخرجوا وبارز عبيدة بن الحارث عتبة وحمزة شيبة وعلي الوليد قتل علي الوليد وحمزة شيبة واختلف الضرب بين عتبة وعبيدة فعاونه علي وحمزة وقتلوا عتبة وهذا أول مبارزة وقع في الإسلام وكان أمير المؤمنين (ع) فارسه وأما ما ذكر من بلائه يوم أحد فهو صحيح ولكن كان الصحابة (رض) ذلك اليوم صاحبي بلا وكان طلحة بن عبد الله صاحب البلا ذلك اليوم وكذا سعد بن أبي وقاص وأبي دجانة وجماعة من الأنصار وأما ما ذكر من أمر يوم حنين وأم أبا بكر عانهم فهذا من أكاذيبه وكيف يعين أبو بكر أصحاب رسول الله (ص) وكان هو ذلك اليوم شيخ المهاجرين وصاحب رايتهم ولكن رجل من المسلمين أعجبه الكثرة فأنزل الله تلك الآية وأما ما ذكر أن عتبة ومعتب ابني أبي لهب وقفوا عند النبي (ص) يوم حنين فهذا من عدم علمه بالتاريخ ألم يعلم أن عتبة دعا عليه رسول الله (ص) أن يسلط الله عليه كلبا من كلابه فافترسه الأسد وذلك قبل الهجرة ومات في الكفر فكيف حضر مع رسول الله (ص) في غزوة حنين وهذا من جهله بأحوال السابقين وأما قصة سورة البراءة فقد ذكرنا حقيقة قبل هذا وأنه كان لأجل أن يعتبر العرب على نبذ العهد لأنه لم يكن أبو بكر موثوقا به في أداء سورة براءة وهذا كلام لا يرتضيه أحد من المسلمين أن مثل أبي بكر وكان شيخ المهاجرين وأمين رسول الله (ص) لا يثق عليه رسول الله (ص) في نبذ العهد وقراءة سورة براءة وهذا من غاية تعصبه وجهله بأحوال الصحابة انتهى وأقول أما ما ذكره من أنه خرج إلى الأبطال الثلاثة الكفرة فئة من الأنصار فقالوا نحن لا نبارزكم فالظاهر أنه أراد بذلك تمهيد عذر لتوقف أبي بكر وعمر وعثمان عن الخروج إليهم وفيه أنهم لو كانوا راغبين إلى الجهاد في سبيل الله لكانوا من حيث أنهم شيوخ المهاجرين أولى بالمبارزة إلى الخروج من فئة الأنصار وأما ما ذكره بقوله ولكن كان الصحابة ذلك اليوم صاحبي بلا كطلحة إلى آخره ففيه أن الكلام في تفضيل علي (ع) في الشجاعة والمجاهدة على الخلفاء الثلاثة الذين فروا ذلك اليوم وأنهم تقدموا عليه من غير استحقاق فإثبات الشجاعة لطلحة وسعد لا يسمن ولا يغني من جوع كما لا يخفى ولو قال كان لأبي بكر وعمر أيضا في ذلك اليوم بلا الخوف والوجل لكان أولى من ذلك وبالجملة بلا هؤلاء وقتالهم إنما كان كحركة المذبوح حركة قليلة تصدر عنهم رياء وحيلة كما قال تعالى في سورة الأحزاب وهو أقوم قيلا ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا وأما ما ذكره من تكذيب المصنف في خبر إصابة أبي بكر للقوم بالعين فهو عين الكذب والبين كيف وقد ساعدنا في ذلك ابن أبي الحديد المعتزلي بقوله تعريضا إلى أبي بكر على ما يدل عليه سياق كلامه شعر وأعجب إنسانا من القوم كثرة فلم يغن شيئا ثم هرول مدبرا وضاقت عليه الأرض من بعد رحبها وللنص حكم لا يدافع بالمرا وقال في ذلك بعض الصحاء أبو بكر عانهم وعلي أعانهم وقد أتى بتصديق ذلك الشارح بحديد للتجريد أيضا فقال وقد سار النبي (ص) في عشرة آلاف من المسلمين فتعجب أبو بكر من كثرتهم وقال لن نغلب اليوم لقلة فانهزموا بأجمعهم انتهى ومن البين أن الإصابة بالعين إنما يتفرع على مثل هذه التعجبات كما لا يخفى وأيضا الإصابة بالعين ليس أمرا اختياريا يمكن أن يتنزه عنه صاحبه باختياره سواء كان شيخا أو شابا فلا وجه لتعجبه عن صدور ذلك من أبي بكر بقوله وكيف يعين أبو بكر أصحاب رسول الله (ص) وهو ذلك اليوم شيخ المهاجرين إلى آخره وبالجملة الإصابة بالعين إنما يكون من رزالة الطبع وضيق العين الحاصل من ضيق حوصلة الطبع وكان أبو بكر كذلك لأنه مع كونه تيميا من أرذل طوايف قريش كما أشرنا إليه سابق كان في الجاهلية معلما للصبيان وفي الإسلام كرباسيا خياطا وكان أبوه صياد القماري والدياسي وبعد ما صار أعمى ولم يكن يقدر ولده أبو بكر على قوته كان يأخذ الأجرة من عبد الله بن جذعان أحد رؤساء مكة على أن ينادي الأضياف إلى مائدته ولهذا روى أنه لما وصل خبر خلافة أبي بكر إلى أبيه أبي قحافة استبعد ذلك وقال اللهم لا واضع لما رفعت ولا رافع لما وضعت وأما ما ذكره من أن عتبة بن أبي لهب دعا عليه رسول الله (ص) أن يسلط الله عليه كلبا إلى آخره فهو شئ رواه القاضي عياض المالكي في باب استجابة دعائه (ص) من كتاب الشفاء مرسلا وليس بمذكور في صحاح القوم وقد صرح ابن عبد البر بخلافه في كتاب الاستيعاب موافقا لما في هذا الكتاب حيث قال في ترجمة عتبة ابن عتبة ابن أبي لهب واسم أبي لهب عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي أسلم هو وأخوه معتب يوم الفتح وكانا قد هربا فبعث العباس فيهما فأتي بهما فأسلما فسر رسول الله (ص) بإسلامهما ودعا لهما وشهدا معه حنينا والطايف ولم يخرجا من مكة ولم يأتيا بالمدينة ولهما عقب عند أهل النسب انتهى وقال في ترجمة معتب بن أبي لهب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي له صحبة أسلم عام الفتح وشهد حنينا مسلما مع رسول الله (ص) هو وأخوه عتبة وفقئت عين معتب يوم حنين واسم أبي لهب عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم وأم معتب هذا أم جميل بنت حرب بن أمية وهي حمالة الحطب امرأة أبي لهب انتهى وأما ما ذكر من أنه حقق قصة سورة براءة قبل هذا فقد سبق منا بطلان حقيقته وأنه في عدم الثبوت أوهن من نسج العنكبوت وأما مجرد حسن ظنه بأبي بكر وتعبيره عنه بشيخ المهاجرين وأمين رسول رب العالمين فلا يسمن ولا يغني من جوع هذا معلم الملكوت قد طرد عن قدس ساحة اللاهوت وبلعم صاحب موسى (ع) قد زل قدمه بعد الثبوت فما ظنك بمعلم الصبيان ومن صحب النبي (ص) لأغراض دنية سبق لها البيان والتبيان والله المستعان قال المصنف رفع الله درجته القسم الثالث في الفضايل الخارجية وفيه مطالب الأول في نسبه لم يلحق أحد أمير المؤمنين (ع) في شرف النسب كما قال نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد قال الجاحظ وهو من أعظم الناس عداوة لأمير المؤمنين (ع) صدق علي في قوله نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد كيف يقاس بقوم منهم رسول الله (ص)
(٢٠٧)