ولو بساعة يطول الأمر ولا يبقى وقت المشورة وهل هذا إلا رجما بالغيب ورميا في الظلام ومن العجب أنهم يحكمون باجتهاد عايشة وطلحة والزبير ومعاوية ويعذرونهم بل يثبتونهم في خطأ خروجهم وبغيهم على علي (ع) بمجرد احتمال عدم وقوعهم في طول ستة أشهر وما يقرب منه على خطأهم وههنا لا يعذرون عليا (ع) وغيره في عدم تقرر اجتهادهم لتعيين مستحق الخلافة في ثلاثة أيام وهل هذا إلا تحكما وتناقضا بليغا قال المصنف رفع الله درجته ومنها أنه أبدع في الدين ما لا يجوز مثل التراويح ووضع الخراج على السواد أو ترتيب الجزية وكل هذا مخالف للقرآن والسنة لأنه تعالى جعل الغنيمة للغانمين والجيش السنة ينطق بأن الجزية على كل حالم دينارا وإن الجماعة إنما يجوز في الفريضة أجاب قاضي القضاة بأن قيام رمضان جاز أن يفعله النبي (ص) ثم تركه واعترضه المرتضى بأنه لا شبهة في أن التراويح بدعة لأن رسول الله (ص) قال يا أيها الناس إن الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة جماعة بدعة إلا فلا تجمعوا شهر رمضان في النافلة ولا تصلوا صلاة الضحى فإن قليلا من السنة خير من كثر من بدعة ألا وإن كل بعدة ضلالة وكل ضلالة سبيلها إلى النار وخرج عمر في شهر رمضان ليلا فرأى المصابيح في المساجد فقال ما هذا فقيل له إن الناس قد اجتمعوا لصلاة التطوع فقال بدعة ونعمت البدعة فاعترف كما ترى بأنها بدعة وقد شهد الرسول (ص) بأن كل بدعة ضلالة وسأل أهل الكوفة من أمير المؤمنين (ع) أن ينصب لهم إماما يصلي بهم نافلة شهر رمضان فأبى فلما اجتمعوا أن يخبرهم و عرفهم أن ذلك خلاف السنة فتركوه واجتمعوا لأنفسهم وقدموا بعضهم فبعث إليهم ابنه الحسن فدخل عليهم المسجد ومعه الدرة فلما رأوه تبادروا الأبواب وصاحوا واعمراه وقيام شهر رمضان أيام الرسول (ص) ثابت عندنا لكن على سبيل الانفراد وإنما أنكرنا الاجتماع على ذلك ومدعيه مكابر لم يقل به أحد ولو كان كذلك لم يقل عمر إنها بدعة فهذه البدع بعض ما رواه الجمهور فإن كانوا صادقين في هذه الروايات كيف يجوز الاقتداء بمن طعن فيه بهذه المطاعن وإن كانوا كاذبين فالذنب لهم والوزر عليهم وعلى من يقلدهم حيث عرف كذبهم ونسب رواياتهم إلى الصحة وجعلوها واسطة بينهم وبين الله تعالى انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول ذكر من مطاعنه في هذا الفصل ثلاثة أشياء الأول أنه أبدع في الدين ما لا يجوز مثل التراويح والجماعة إنما يكون في الفريضة فنقول قد ثبت في الصحاح عن زيد بن ثابت أن النبي (ص) اتخذ حجرة في المسجد من حصير فصلى فيها ليالي حتى اجتمع إليه ناس ثم فقدوا ضوئه ليلة وظنوا أنه قد نام فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم فقال ما زال بكم والذي رأيت من صنيعكم حتى خشيت أن يكتب عليكم ولو كتب عليكم ما هو قمتم به فصلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة وعن أبي هريرة قال كان رسول الله (ص) يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة فيقول من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه فتوفي رسول الله (ص) والأمر على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر وعن أبي ذر (رض) قال صمنا مع رسول الله (ص) فلم يقم بنا شيئا من الشهر حتى بقي سبع فقام بنا حتى ذهب شطر الليل فقلت يا رسول الله (ص) لو نفلتنا قيام هذه الليلة فقال إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة فلما كانت الرابعة لم يقم حتى بقي ثلث الليل فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح يعني السحور ثم لم يقم بنا بقية الشهر هذه الأخبار كلها في الصحاح وهذا يدل على أن رسول الله (ص) كان يصلي التراويح بالجماعة أحيانا ولم يداوم عليها مخافة أن يفرض على المسلمين فلم يطيقوا فلما انتهى هذه المخافة جمعهم عمر وصلى التراويح وأما قوله إنه اعترف بأنها بدعة وكل بدعة ضلالة فنقول البدعة قد يقال ويراد بها الأمر الذي ابتدع في الدين مما يخالف قواعده المقررة وأصوله الضرورية المعينة عند أهله وهذه البدعة ضلالة وقد يقال ويراد بها ما ابتدع من الأعمال التي لم يكن خصوصها في زمان رسول الله (ص) وإن كانت موافقة للقواعد مأخوذة من الأصول الشرعية التي تقرر في زمانه مثلا عمل المأذن بدعة مستحبة وإن لم يكن في زمن رسول الله (ص) لأن أصله وهو الاعلان بالأذان وتشهيره مأخوذ من استحباب الشرع وموافق للأصول الدينية وهذه البدعة قد يكون مستحبة وقد تكون مباحة كما صرح به العلماء فقول عمر بدعة ونعمت البدعة أراد به أنه لم يتقرر أمرها في زمان رسول الله (ص) وهذا لا ينافي كونها معمولة في بعض الأوقات فاندفع اعتراض المرتضى عن قاضي القضاة وأما ما ذكر أن أمير المؤمنين علي (ع) منعه في أيام خلافته في الكوفة فإن صح جاز أن يؤدي اجتهاده إلى المنع لأن المقام مقام الاجتهاد ولا اعتراض على المجتهد إذا خالف مجتهدا آخر الثاني أنه أبدع وضع الخراج ورسول الله (ص) لم يضع الخراج والجواب أن الخراج إنما يوضع على الأراضي التي فتحت صلحا ولم يفتح في زمان رسول الله (ص) مدينة من المداين صلحا بل أسلم أهلها أو فتح عنوة فلهذا لم يضع الخراج ولم يتقرر أمره ثم لما فتح بلاد كسرى وكان عمل الملوك فيها الخراج اقتضى رأيه الخراج فشاور الأصحاب وأجمعوا عليه فعمل بالخراج للإجماع وكان أمير المؤمنين (ع) من أهل ذلك الاجماع ولم يقدر أحد أن يروي أن أمير المؤمنين (ع) اعترض على عمر في وضع الخراج بل رضي به وإن كان غير صالح لكان يعترض عليه كما اعترض عليه في حد الحامل والمجنون وأيضا عمل به أمير المؤمنين (ع) في زمان خلافته وأخذ الخراج من سواد العراق ولو كان باطلا في الدين أبطله وأفسده وكذا قرره ساير خلفاء الإسلام وقام الدين بالخراج وكل الناس عيال على الخراج والأمر الذي مر عليه جميع المجتهدين وأئمة الإسلام وقرروه واستحسنوه وأيدوه بالقرآن في قوله تعالى أم تسئلهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين قيل أريد به الخراج ثم جاء البوال الأعرابي الذي سواء قوله وبوله يعترض على الإمام الإسلام والملهم بالصواب في كل مقام الثالث إنه أبدع ترتب الجزية والسنة ينطق في أن الجزية على كل حالم دينار فالجواب أن النبي (ص) أخذ من أهل يمن من كل حالم دينارا على ما رواه معاذ بن جبل قال بعثني النبي (ص) إلى اليمن فأمر أن يأخذ من كل حالم دينارا وهذا لا يدل على نفي الزيادة ففي الزيادة مساغ للإمام وربما كان أهل اليمن فقرأ أخذ منهم أقل الجزية وأمثال هذه مما لا طعن فيه لأن ساير الخلفاء الراشدين بعده تبعوه في هذا ولو كان الأمر على خلاف السنة لخالفوه الخلفاء الراشدون بعده سيما أمير المؤمنين علي (ع) وإلا لكان يقدح في عصمته على رأيهم وأما ما ذكر أن مطاعن عمر رواه الجمهور فإن أراد بالجمهور أصحابه فلا يبعد أن يكون صادقا وإن أراد
(٢٤٧)