مشارق أنوار اليقين - الحافظ رجب البرسي - الصفحة ٢٩٨
وهي أول العدد وسر الواحد الأحد، وذلك لأن ذات الله غير معلومة للبشر فمعرفته بصفاته والنقطة الواحدة هي صفة الله، والصفة تدل على الموصوف، لأن بظهورها عرف الله، وهي لألاء النور الذي شعشع عن جلال الأحدية في سيماء الحضرة المحمدية، وإليه الإشارة بقوله: (يعرفك بها من عرفك) (١) يعضد هذا القول أيضا قولهم: لولانا ما عرف الله، ولولا الله ما عرفنا (٢).
فهم النور الذي أشرقت منه الأنوار، والواحد الذي ظهرت عنه الأجساد، والسر الذي نشأت عنه الأسرار، والعقل الذي قامت به العقول، والنفس التي صدرت عنها النفوس، واللوح الحاوي لأسرار الغيوب والكرسي الذي وسع السماوات والأرض، والعرش العظيم المحيط بكل شئ، عظمة وعلما، والعين التي ظهرت عنها كل عين، والحقيقة التي يشهدها بالبدء كل موجود كما شهدت هي بالأحدية لواجب الوجود.
فغاية عرفان العارفين الوصول إلى محمد وعلي بحقيقة معرفتهم، أو بمعرفة حقيقتهم، لكن ذلك الباب مستور بحجاب ﴿وما أوتيتم من العلم إلا قليلا﴾ (3)، وإليه الإشارة بقولهم: (إن الذي خرج إلى الملائكة المقربين من معرفة آل محمد قليل من كثير، فكيف إلى عالم البشرية،) وعن هذا المقام عنوا بقولهم (أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله نبي مرسل ولا ملك مقرب)، فمن اتصل بشعاع نورهم فقد عرف نفسه لأنه إذ قد عرف عين الوجود وحقيقة الموجود، وفردانية الرب المعبود، فمعرفة النفس هي معرفة حقيقة الوجود المقيد، وهي النقطة الواحدة التي ظاهرها وباطنها النبوة والولاية، فمن عرف النبوة والولاية بحقيقة معرفتها فقد عرف ربه، فمن عرف محمدا وعليا فقد عرف ربه، وإن كان الضمير في قوله عرف نفسه عايدا إلى العارف فإنه إذا عرف نفس الكل والروح المنفوخ منها في آدم فقد عرف نفسه ونفس الكل وحقيقة الوجود هم.
فصل وإن كان الضمير في قوله (نفسه) راجعا إلى الله في قوله ويحذركم الله نفسه، فهم روح الله وكلمته ونفس الوجود وحقيقته فعلى الوجهين من عرفهم فقد عرف ربه، وكذا عند الموت إذا رأى عين عين اليقين فإنه لا يرى إلا محمدا وعليا لأن الإله الحق جل أن تراه العيون، والميت عند موته إنما يشهد

(١) البحار: ٩٥ / ٣٩٣.
(٢) نور البراهين للجزائري: ٢ / ١٢١.
(٣) الإسراء: ٨٥.
(٢٩٨)
مفاتيح البحث: الستر (1)، الموت (2)، الشهادة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 ... » »»