مشارق أنوار اليقين - الحافظ رجب البرسي - الصفحة ١٢
فذاته الأزلية الأبدية القيومية الرحمانية، المقدسة بالوحدة الحقيقية، المنزهة عن الكثرة الصورية، مبدأ لسائر الموجودات، ومنبع لسائر الكمالات، موصوفة بأكرم الصفات، مسلوب عن جمال كمالها النقائص والحاجات، متعالية عن الأحياز والجهات، منزهة عن مشابهة المحدثات، مبراة عن المقولات، فسبحان القيوم، الذي لم يزل ولا يزال، الفرد المنزه عن الحلول والانتقال، وحده لا شريك له، كان ولم يزل كائنا، ولا سماء مبنية، ولا أرض مدحية، ولا خافق يخفق، ولا ناطق ينطق، ولا ليل داج، ولا صبح مشرق، كان الله ولا شئ معه، وهو على ما كان لم يتكثر بخلقه أبدا، فسبحان من أين الأين، فلا أين يحويه، وكيف الكيف فلا كيف يحكيه، وتعالى عن المكان والزمان، فلا وقت يباريه، وحده لا شريك له، جل عن أجل معدود، وأمد ممدود، وتعالى عن وقت محدود، الحي الحميد المحمود، قدوس، سبوح، رب الملائكة والروح، حي لا يموت. فسبحانه من أزلي قديم، سبق العدم وجوده، والأزل قدمه، والمكان كونه، وعز عن المزاوجة اسمه، وحده لا شريك له، ليس لقدمه رسم، ولا حد، ولا لملكه قبل ولا بعد، ولا لأمره دفع ولا رد، ولا لسلطانه ضد ولا ند، تقدس القيوم في جلال عظمته، ودوام سلطنته، وحده لا شريك له، لا تدركه الحواس، فيوجد له شكل، ولا يشبه بالناس فيكون له مثل، امتنعت عن إدراك ذاته عيون العقول، وانقطعت دون وصف صفاته أسباب الوصول، حي قيوم، وجوده لذاته بذاته عن ذاته، لا لعلة تقومه فيكون ممكنا، ولا لسبب يتقدمه فيكون محدثا، ولا لكثرة تزاحمه فيكون للحوادث محلا، حي قبل كل حي، وحي بعد كل حي، واجب الحياة لكل حي، وحي لم يرث الحياة من حي، فهو المعبود الحق، والإله المطلق، أحدي الذات، وأحدي الصفات، أزلي اللاهوت، أبدي الملكوت، سرمدي العظمة، والجلال والجبروت، حي قيوم لا يموت، لا تحكيه الشواهد، ولا تحويه المشاهد، ولا تحجبه السواتر، ولا تبلغه النواظر، لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، وجهه حيث توجهت، وطريقه حيث استقمت، لا تجري عليه الحركة والسكون، فكيف يجري عليه ما هو أجراه، لا إله إلا هو الله، فمن وصف الله سبحانه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن عده فقد ثناه، ومن ثناه فقد أبطله، إذ ليس في الأشياء، وإلا لكان محدودا، ولا منها، وإلا لكان معدودا، فهو بعيد عنها، دان إليها، قائم بها، قيوم عليها، لا يتجزى فيعد، ولا يتكثر فيحد، ما وحده من كيفه، ولا حقيقته أصاب من مثله، ولا إياه عني من شبهه، ولا حمده من أشار إليه وتوهمه، الحكم العدل الذي لا يتوهم ولا يتهم، شهدت العقول والنفوس، وشاهدت العيون والمحسوس: أن العالم متغير، وكل متغير جسم، وكل جسم حادث، وكل حادث له محدث، وذلك المحدث هو الخالق المقدر، والبارئ المصور، والجبار المتكبر،
(١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 6 7 8 9 11 12 13 14 15 16 17 ... » »»