والجواب: أن انحصار اللطف الذي ذكرناه في الإمامة معلوم للعقلاء، ولهذا يلتجئ العقلاء في كل زمان وكل صقع إلى نصب الرؤساء دفعا للمفاسد الناشئة من الاختلاف.
الثالث: قالوا: الإمام إنما يكون لطفا إذا كان متصرفا بالأمر والنهي، وأنتم لا تقولون بذلك، فما تعتقدونه لطفا لا تقولون بوجوبه وما تقولون بوجوبه ليس بلطف.
والجواب: أن وجود الإمام نفسه لطف لوجوه:
أحدها: أنه يحفظ الشرائع ويحرسها عن الزيادة والنقصان.
وثانيها: أن اعتقاد المكلفين لوجود الإمام وتجويز إنفاذ حكمه عليهم في كل وقت سبب لردعهم عن الفساد ولقربهم إلى الصلاح وهذا معلوم بالضرورة.
وثالثها: أن تصرفه لا شك أنه لطف ولا يتم إلا بوجوده، فيكون وجوده نفسه لطفا وتصرفه لطفا آخر.
والتحقيق أن نقول: لطف الإمامة يتم بأمور:
منها: ما يجب على الله تعالى، وهو خلق الإمام وتمكينه بالقدرة والعلم والنص عليه باسمه ونسبه، وهذا قد فعله الله تعالى.
ومنها: ما يجب على الإمام، وهو تحمله للإمامة وقبوله لها، وهذا قد فعله الإمام.
ومنها: ما يجب على الرعية، وهو مساعدته والنصرة له وقبول أوامره وامتثال قوله، وهذا لم تفعله الرعية، فكان منع اللطف الكامل منهم لا من الله تعالى ولا من الإمام.