والنصب في هذه الأمثلة كلها إنما هو العطف على الموضع دون اللفظ، فيكون على هذا من قرأ الآية بنصب الأرجل كمن قرأها بجرها، وهي في القراءتين جميعا معطوفة على الرؤوس التي هي أقرب إليها في الذكر من الأيدي، ويخرج ذلك عن طريق التعسف، ويجب المسح بهما جميعا، والحمد لله.
وشئ آخر: وهو أن حمل الأرجل في النصب على أن تكون معطوفة على الرؤوس أولى من حملها على أن تكون معطوفة على الأيدي، وذاك أن الآية قد قرئت بالجر والنصب معا، والجر موجب للمسح، لأنه عطف على الرؤوس، فمن جعل النصب إنما هو لعطف الأرجل على الأيدي أوجب الغسل، وأبطل حكم القراءة بالجر الموجب للمسح.
ومن جعل النصب إنما هو لعطف الأرجل على موضع الرؤوس أوجب المسح الذي أوجبه الجر، فكان مستعملا للقراءتين جميعا، غير مبطل لشئ منهما، ومن استعملهما فهو أسعد ممن استعمل أحدهما.
فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون استعمال القراءتين إنما هو بغسل الرجلين، وهو أحوط في الدين، وذلك أن الغسل يأتي على المسح ويزيد عليه، فالمسح داخل فيه، فمن غسل فكأنما مسح وغسل، وليس كذلك من مسح، لأن الغسل غير داخل في المسح.
قلنا: هذا غير صحيح، لأن الغسل والمسح فعلان كل واحد منهما غير الآخر وليس بداخل فيه، ولا قائم مقامه في معناه الذي يقتضيه.
ويبين ذلك أن الماسح كأنه قيل له: اقتصر فيما تتناوله من الماء على ما يندى به العضو الممسوح، والغاسل كأنما قيل له: لا تقتصر على هذا القدر، بل تناول من الماء ما يسيل ويجري على العضو المغسول.