من أقوى القوادح في النبوة، فلما لم يكن ذلك كذلك، علمنا أن المراد بها غير ما ذهبت إليه المجبرة.
الثاني: أن الله سبحانه نعى على الكفار مقالتهم، حيث قالوا: (قلوبنا غلف) (1) (قلوبنا في أكنة) ولو كانوا صادقين لما نعى الله عليهم ذلك، ولكان النبي حينئذ محجوجا، والحجة لهم.
الثالث: أنه لو كان المقصود بها أن الله خالق الكفر والايمان، والطاعة والعصيان لما كان ثم فائدة في بعثة الرسل، وانزال الكتب، وكانت عبثا، والله يتعالى عن فعل العبث.
الرابع: انه لو كان المقصود بها ما ذهبت إليه الجبرية لوجب تأويل القرآن كله غير هذه الآيات، وآيات قليلة، واخراجه عن ظاهر، وأنه لا حقيقة فيه بل كله أريد به غير ظاهره، وذلك باطل بالضرورة.
الخامس: أن الله سبحانه تحدى بالقرآن ليكون معجزة لرسوله، فلو كان المقصود بها ما ذهبت إليه الجبرية من أن الله الخالق لكل شئ، وأن العبد لا قدرة له مؤثرة لبطل التحدي، إذ لا يعقل تحدي من لا قدرة له، كالجمادات، ويستوي في المعجزة القرآن وغيره، فلا يكون القرآن مختصا بالاعجاز، لعدم قدرة العبد على شئ، وتحديده يعود في الحقيقة على نفسه، لأنه لا خالق وفاعل سواه، وهو سبحانه قادر على الاتيان بمثله، وبطل حينئذ اعجاز القرآن، وذلك باطل عقلا.